فتظاهر بالضحك وما يزداد إلا حنقا، واشتد حنقه خاصة لاستهانته، ومع أنه يئس منه أو كاد، إلا أنه استطرد قائلا: أرى أن خطورة حياتك لا تغيب عن فطنتك؛ فلست في حاجة إلى أن أبصرك بعواقبها الوخيمة، وإني أستحلفك بالله أن ترعى نفسك بالحكمة.
فألقى عليه نظرة طويلة باسمة كأنه يقول له «لا تحاول خداعي بتوددك!» وقال: لا تخف علي، أستغفر الله، أعني لا تخف على نفسك أو سمعتك، لا تحمل نفسك هموما فارغة، هبني كشيء لم يكن، لا تكترث لما يقول الناس عنكم بسببي؛ فإنك تستطيع أن تحيا الحياة التي تروق لك على رغم كلام الناس.
وتنهد حسنين في ضيق وقنوط، وحنق عليه في تلك اللحظة حنقا أسود تمنى معه لو كان شيئا لم يكن حقا، ولكنه كائن، ومسلط على رأسه كالسيف القاتل، فما عسى أن يفعل؟ وتنهد مرة أخرى وتساءل: أليس ثمة أمل في أن تعود إلى الحياة الشريفة؟ .. أهذه كلمتك النهائية؟!
وغضب حسن، وكأنه أشفق على أخيه من غضبه فانتفض قائما، وقطع الحجرة الصغيرة ذهابا وإيابا مرتين، مفرغا بخار غضبه في حركاته العنيفة، ثم استند إلى حافة السرير، وشبك ذراعيه على صدره، وقال بلهجة من نفد صبره: حياة شريفة ، حياة شريفة! لا تعد هذه العبارة على مسمعي؛ فقد أسقمتني، ميكانيكي بقروش معدودات في اليوم، أهذه هي الحياة الشريفة؟! .. السجن أحب إلي منها! ولو أنني استمسكت بها طوال حياتي لما حليت كتفك بهذه النجمة، أتحسب أن حياتي وحدها غير الشريفة؟ .. يا لك من ضابط واهم! .. حياتك أنت أيضا غير شريفة؛ فهذه من تلك، ولقد جعلت منك ضابطا بنقود محرمة مصدرها تجارة المخدرات وأموال هذه المرأة (وأشار إلى الصورة)؛ فأنت مدين ببدلتك لهذه المومس والمخدرات، ومن العدل إذا كنت ترغب حقا في أن أقلع عن حياتي الملوثة أن تهجر أنت أيضا حياتك الملوثة، فاخلع هذه البدلة ولنبدأ حياة شريفة معا!
واصفر وجه حسنين وغض بصره في ذهول ويأس وقد امتلأ صدره غيظا وحقدا، وانفرجت شفتاه أكثر من مرة كأنه يهم بالكلام، ولكنه كان يطبقهما في تسليم اليائس. ولم يرحمه حسن على ما بدا من قهره ووجومه فقال: أرأيت أنك تؤثر النجمة على الحياة الشريفة؟! ولست ألومك؛ فأنا مثلك أوثر رزقي على الحياة الشريفة .. (ثم ضاحكا) نحن شقيقان ويجري في عروقنا دم واحد!
ونهض حسنين عابسا وهو يقول: لا تسخر مني جزاء ما أوليتك من نصيحة!
ثم اتجه نحو باب الحجرة وهو يقول: أستودعك الله.
ولما وضع يده على أكرة الباب سأله الآخر برقة مفاجئة: ألا تريد أن تسلم علي؟
فتحول إليه ومد له يده، فشد عليها الآخر وأبقاها في يده وهو يقول ضاحكا: يؤسفني أنني أغضبتك، انس ما كان ولنبق كما كنا ولو على البعد، ستجدني دائما «الروسي» الذي عهدته، ولا تنس أن تهدي سلامي إلى أمنا ونفيسة. مع ألف سلامة.
72
Bog aan la aqoon