برتراند رسل
برتراند رسل
تأليف
زكي نجيب محمود
مقدمة
لست في الفلسفة تابعا «برتراند رسل»
Bertrand Russell
في كل ما يذهب إليه؛ ذلك أني قد حددت عقيدتي الفلسفية تحديدا جليا واضحا، وإني لأزداد إيمانا بصواب تلك العقيدة كلما ازددت قراءة ودراسة وتفكيرا، وليست هي بالعقيدة التي يأخذ «برتراند رسل» بكل تفصيلاتها، وإن تكن مسايرة لفكره في الاتجاه والهدف ومنهج البحث.
فأنا أميل بفكري نحو «الوضعية المنطقية» التي تحرم على الفيلسوف - باعتباره فيلسوفا؛ إذ قد يكون الفيلسوف عالما أيضا في هذا العلم أو ذاك - تحرم على الفيلسوف أن يقول عبارة واحدة ليدلي فيها برأي في الطبيعة أو الإنسان؛ لأن الرأي كائنا ما كان، هو من شأن العلماء وحدهم، يقولونه بعد ملاحظة علمية وتجارب يجرونها في المعامل. وعمل الفيلسوف الذي لا عمل له سواه، هو تحليل العبارات التي يقولها هؤلاء العلماء تحليلا يوضحها ويضبطها، وقد يحدث - بل إن هذا هو ما يحدث في معظم الأحيان - أن يتولى العالم نفسه توضيح عباراته وتحليلها، وعندئذ يكون هذا العالم فيلسوفا إلى جانب كونه عالما، لكنه قد يحدث أيضا أن ينصرف العالم إلى موضوع بحثه، دون أن يقف عند هذه الكلمة من كلماته أو تلك العبارة، فيتولى ذلك عنه فيلسوف مختص، وبهذا تصبح الفلسفة تحليلا صرفا، أو إن شئت فقل إنها تصبح «منطقا» بحتا، وتلقي عن عاتقها ذلك الحمل الثقيل الذي تصدت له فيما مضى، حمل الحديث عن الكون في أصوله وغاياته، وهو حديث لم ينته به الفلاسفة إلى شيء، وكان يستحيل عليهم أن ينتهوا إلى شيء؛ لأنه حديث في غير موضوع من هذه الموضوعات التي يجوز فيها الكلام على نحو منتج مفيد.
على أن «رسل» إن لم يكن واحدا من رجال «الوضعية المنطقية»، فهو على رأس طائفة من الفلاسفة المعاصرين، كانت هي التي خلقتها خلقا، وأوحت بها إيحاء مباشرا؛ لأنه منذ باكورة أعماله الفلسفية قد جعل تحليل المدركات العلمية شغله الشاغل، وبوجه خاص مدركات الرياضة، كالعدد واللانهاية؛ لأنه كان رياضيا ممتازا أولا، ففيلسوفا رياضيا ثانيا، فكانت تحليلاته تلك منبها قويا لجماعة من تلاميذه ومن المتأثرين به، أن يجعلوا التحليلات المنطقية للعبارات العلمية، بل للعبارات اللغوية بصفة عامة، هي وحدها المجال المشروع للفلسفة والفيلسوف، وهو رأي أدلى به «رسل» نفسه صراحة،
Bog aan la aqoon