Bertrand Russell: Hordhac Gaaban
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
مقدمة
أسهم راسل إسهاما كبيرا في المناقشات التي دارت حول الأخلاق والسياسة والدين والتعليم وقضايا الحرب والسلام. ولم ير هذه الإسهامات باعتبارها إسهامات فلسفية بالمعنى الضيق للكلمة. فكما يوضح الفصل السابق، كان يرى الفلسفة باعتبارها فرعا فنيا من فروع المعرفة يتناول الأسئلة المجردة التي تعنى بالمنطق والمعرفة والميتافيزيقا. وهذه المناقشات الأخرى في المقابل - في رأيه - عبارة عن قضايا تتعلق بالعاطفة والرأي، وترتبط بالنواحي العملية للحياة. وقد أقر راسل بإمكانية وجود تحليل للخطاب الأخلاقي والسياسي في إطار صوري؛ أي كدراسة منهجية تتناول منطق الخطابات الأخلاقية والسياسية بدلا من جوهرها؛ ولكن ما كان يهمه هو القضايا العملية والمشكلات الواقعية، خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ومع ذلك تصدى راسل في بعض كتاباته لعرض أساس الأخلاق. لم يكن يحاول صياغة نظرية جديدة، بل اكتفى بوجهات النظر الثانوية التي (بعد أن أصبح اهتمامه بالقضايا العملية اهتماما جديا) كانت تتسم بطابع «نظرية العواقبية»؛ أي إنها كانت ترى أنه يجب الحكم على القيمة الأخلاقية لأفعال الناس والحكومات بالنتائج. وفي الوقت نفسه - وليس على نحو متسق مطلقا - كان يكتب وكأنه كان يؤمن بالقيمة الأخلاقية الجوهرية لأشياء معينة، مثل الخصال الشخصية كالشجاعة والشهامة والأمانة. وقدم كذلك - في بعض كتاباته الأولى - وجهة نظر غير متسقة كذلك مع هذه الآراء، مفادها أن الأحكام الأخلاقية عبارة عن أقوال مضمرة معبرة عن الموقف الذاتي. والمشكلة الأساسية التي واجهت راسل هي كيفية التوفيق بين جانبين متعارضين: من ناحية، الإخلاص لمعتقدات أخلاقية يؤمن بها بثبات وحماس، ومن ناحية أخرى، ما يبدو من انعدام وجود مبررات للحكم الأخلاقي. وازدادت الصعوبة التي تواجهه في تحقيق هذا التوفيق بفعل موقفه المتشكك حول ما إذا كانت المعرفة الأخلاقية موجودة أساسا.
لعل أفضل طريقة لوصف إسهام راسل في المجال الأخلاقي هو القول بأنه كان معلما أخلاقيا معنيا برفع مستوى الأخلاق عند الناس أكثر مما كان فيلسوفا أخلاقيا. وكان شأنه شأن أرسطو من قبله يرى الأخلاق والسياسة مستمرين؛ فلا فارق في النوع بين الحكم الأخلاقي أن الحرب شر والمطلب السياسي لتحقيق السلام؛ من ثم نجد أن فكر راسل عن الأخلاق والسياسة والمجتمع يتسم بالسلاسة والاتساق؛ مما يفسر سبب تناولها معا في أشمل كتبه عن هذه المسائل، وهو كتاب «المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة».
وفي السياسة كان راسل طيلة حياته راديكاليا وليبراليا من دون مغالاة. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبح عضوا في حزب العمال وترشح في سباقين انتخابيين كمرشح للحزب. وقد مزق بطاقة العضوية في ستينيات القرن العشرين في استياء من دعم هارولد ويلسون للحرب التي شنتها أمريكا في فيتنام. ولكنه لم يكن اشتراكيا بالمعنى العتيق للكلمة؛ إذ لم تقنعه الماركسية حين درسها في ألمانيا في تسعينيات القرن التاسع عشر أثناء الإعداد لكتابه الأول: «الديمقراطية الاجتماعية الألمانية» (كانت «الديمقراطية الاجتماعية» تعني الماركسية آنذاك). وكان معارضا بالفطرة للاتجاه للمركزية الذي تنادي به الاشتراكية حسب مفهومها آنذاك - وكانت تلك هي السمة الوحيدة تقريبا للاشتراكية التي طبقت بالكامل في الدول السوفييتية - ولذلك جذبته أكثر الاشتراكية النقابية، وهي شكل لا مركزي من الملكية والسيطرة التعاونية يحكم الناس أنفسهم بموجبه في ظروف - على المستوى المثالي - تدمج حياتهم الاجتماعية والترفيهية والعملية.
شكل 4-1: خاض راسل الانتخابات البرلمانية متبنيا قضية منح حق التصويت للنساء في الانتخابات الفرعية في ويمبلدون عام 1907.
1
كان راسل في أفضل حالاته حين انتقد الأحوال الأخلاقية والسياسية المعاصرة. وكانت البدائل الإيجابية التي طرحها تبدو عادة غير مقنعة؛ إذ كانت عادة إما مثالية إلى حد خيالي أو على أقل تقدير - إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي قدمها فيها - غير عملية إلى حد ما. ولكن كناقد شديد القسوة لاذع الكلمات، كان في مكانة سقراط وفولتير نفسها.
لا أحد يحتاج إلى عذر أو رخصة للإسهام في المناقشات التي تتناول القضايا المهمة في المجتمع، وهي قضايا السياسة والأخلاق والتعليم. إنه واجب كل مواطن أن يشارك عن معرفة وفهم. إذن فأنشطة راسل في هذه المجالات لا تتطلب أي تبرير. ولكن يوجد سبب وجيه يفسر لماذا تتسم إسهاماته بقوة إقناع معينة. ولم يكن سبب ذلك أنه كان وريثا لتراث جليل تميز به حزب الأحرار البريطاني في المشاركة في الشئون العامة، مع أن هذا بلا شك حفز اهتمامه بالشئون العامة وإحساسه بواجب المشاركة؛ بل كان السبب هو أن اهتمامه وإحساسه بالواجب كان يدعمهما أربع مميزات قيمة: ذكاء نادر، وفصاحة واضحة الأسلوب، ومعرفة واسعة بالتاريخ، وجرأة كبيرة في وجه المعارضة؛ مما جعله مناقشا مهيبا. ولم يبد أسلوبه مفرطا في التذمر وغير ملائم إلا عند نهاية حياته، حين كان الآخرون من حوله يتحدثون ويكتبون باسمه.
لم تجد بعض أفكاره - مثل الإيمان بالحكومة العالمية - حتى الآن أي دعم يذكر. وساعدت بعض الأفكار الأخرى في تغيير وجه المشهد الاجتماعي في العالم الغربي، كما في مواقفه تجاه الزواج والأخلاق الجنسية، على سبيل المثال. وفي مجالات أخرى أيضا - تتعلق بالدين بالأخص - ساعد راسل على تحرير عقول كثيرة، ولكنه لم يكن ليندهش - عند الأخذ في عين الاعتبار فهمه للطبيعة البشرية - إذا اكتشف أن التفكير الخرافي يزدهر حاليا أكثر مما كان في عصره، وأن المعتقدات الدوجمائية - «الإيمان هو ما أموت من أجله، أما معتقداتي الدوجمائية فهي ما أقتل من أجلها.» - قد عادت بقوة.
Bog aan la aqoon