Bertrand Russell: Hordhac Gaaban
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
المسلمة الخامسة والأخيرة هي «مسلمة قياس التشبيه»، وتقول بأنه «بفرض وجود فئتين من الأحداث هي «أ» و«ب»، وبفرض أنه كلما لاحظنا «أ» و«ب» كلتيهما يوجد سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأن «أ» تسبب «ب»، إذن عند ملاحظة «أ» في أي حالة معينة - لكن دون أن يكون هناك سبيل لملاحظة ما إذا كانت «ب» تحدث أم لا - فمن المرجح الاعتقاد بأن «ب» تحدث، والأمر عينه يحدث عند ملاحظة «ب» دون أن يكون هناك سبيل لملاحظة حضور أو غياب «أ».» وهذه المسلمة واضحة بذاتها (المعرفة البشرية، ص506-512).
يقول راسل إن الغرض من المسلمات هو تبرير الخطوات الأولى التي نتخذها نحو العلم؛ فهي تعرض ما يجب أن نعرفه - فضلا عن الوقائع التي نلاحظها - لكي تصبح الاستنتاجات العلمية صحيحة؛ وبهذا نحن لا نبرر العلم الحديث نفسه، بل مكوناته الأولية، وهي نفسها تستند إلى التجربة المبنية على المنطق السليم.
ولكن ما هو معنى «نعرف» هنا؟ حسب وجهة نظر راسل، فإن المعرفة المتضمنة في عبارة «معرفة المسلمات» هي نوع من «المعرفة الحيوانية»، التي تنشأ بوصفها معتقدات معتادة ناجمة عن خبرة تفاعلنا مع العالم. وهي أبعد ما تكون عن كونها معرفة يقينية. ونظرا لحالة العالم هذه، يقول راسل:
بعض الوقائع تكون أحيانا في الواقع دليلا على وقائع معينة أخرى؛ ونظرا لأن الحيوانات تتأقلم مع بيئتها، نجد أن الوقائع التي هي في الواقع دليل على وقائع أخرى تثير توقع حدوث تلك الوقائع الأخرى. وعند تأمل هذه العملية وتنقيحها، نصل إلى قوانين الاستنتاج الاستقرائي. وتكون هذه القوانين صالحة إذا كان للعالم خصائص معينة نؤمن جميعا بأنه يتسم بها. (المعرفة البشرية، ص514-515)
هذه الخصائص هي الوقائع القائمة على المنطق السليم التي تجسدها المسلمات فعليا، ويتسنى لنا أن «نعرفها» في هذا السياق؛ فهي متضمنة في الاستنتاجات التي نصوغها، وعادة ما تنجح استنتاجاتنا؛ ومن ثم يمكن اعتبار أن المسلمات تثبت نفسها على نحو ما.
ومع أن راسل يرى المسلمات باعتبارها شيئا نعرفه معرفة بديهية مسبقة، فمن الواضح أن وضعها شاذ؛ فهي في حقيقتها تجريبية من أحد النواحي؛ لأنها إما تسجل الخبرة أو توحي بها الخبرة. وما يمنحها وضعها البديهي المسبق هو أنها «تعامل بوصفها أمورا معروفة» بمعزل عن الإثبات التجريبي (إلا على نحو عملي غير مباشر)، بدلا من أن تعتبر مبادئ عامة بحاجة إلى مبرر من ذلك النوع. وقد اختار راسل فعليا بعض المعتقدات العامة المشروطة التي تفيد خصوصا في أن تكون مقدمات فيما يخص التفكير في العالم، ورفعها إلى منزلة المسلمات. وتبريرها غير المباشر بدوره هو أنها - عموما أو بناء على نتائج تطبيقها - تفلح. وإذا أضفنا ذلك إلى الطموح المتواضع للغاية الذي يكنه راسل لنظرية المعرفة في كتاب «المعرفة البشرية» - لم يعد غرض الكتاب هو البحث عن أساس يقيني للمعرفة بقدر الإمكان، بل يقتصر فحسب على كونه عرضا لأحكام الخبرة التي يضمن اتباعها أن يصبح التفكير العلمي مقبولا - فربما يكون هذا كافيا. كما أن هذه المسلمات لا تدعي أنها رد فعل على الرؤية المتشككة، أو عرض دقيق للاستنتاج غير البرهاني.
هذه الجمل الأخيرة توحي بالسبب في أن حجج راسل في كتاب «المعرفة البشرية» لاقت استجابة فاترة؛ مما خيب أمله كثيرا. كان يدرك جيدا أن قوانين الأدلة والاستنتاج العلمي لا تستحق الاستقصاء إلا إذا كنا واثقين - إذا فهمنا تلك القوانين فهما صحيحا - من أنها ستأتي بمعرفة مشروطة جوهرية عن العالم. ولكن أهم ما تثبته حجة راسل هو أن المبادئ العامة التي يعتمد عليها تفكيرنا التجريبي نجحت - حتى الآن - إلى حد كبير. ولكن هذا يبدو تماما مثل ذلك النوع غير المدعم من الاستنتاج الاستقرائي الذي كان راسل حريصا على التحذير منه، مستشهدا بمثال الدجاجة التي أخذ يزداد رضاها عن العالم لأنها تجد من يطعمها يوميا حتى جاء يوم وقوعها في يد الجزار. يوجد حدود للتبرير العملي؛ تخيل أن هناك شخصا يساعد على نمو الطماطم في حقله بالدعاء فقط، فيحصل على بعض الطماطم كل عام، وأن شخصا آخر يروي الطماطم في حقله ويسمدها، فيحصل على محصول طماطم أوفر كل عام؛ ومع ذلك، ربما يرى المزارع الأول أن حصوله على بعض الطماطم مبرر عملي للدعاء. وعليه، فإن نجاح مبادئنا حتى الآن ليس سببا كافيا للقول بأنها تفي بالمعايير العلمية.
وتحديدا، ليس هناك ما يضمن ألا يؤدي استخدام المسلمات إلى القول الباطل، إما أحيانا أو بطريقة ما منتظمة تتخفى خلف مواقف من نوعية موقف المزارع الذي يدعو. وهذه الاحتمالية هي التي دعت راسل لئلا يتوقع إلا أقل القليل من نظرية المعرفة. إذن يجب أن تكون الشكوى هي أن الحجة الواردة في كتاب «المعرفة البشرية» هي عبارة عن اعتراف بالفشل، وذلك في ضوء تراث نظرية المعرفة. لقد طرح ديكارت ومن جاءوا بعده في الفلسفة الحديثة أسئلة عن طبيعة المعرفة وكيف نحصل عليها بدقة، وذلك حتى يتمكنوا من التمييز بين بعض المساعي - الخيمياء والتنجيم والسحر، مثلا - ومساع أخرى - الكيمياء وعلم الفلك والطب، مثلا - والتي لم تختلف فقط من حيث عدد التطبيقات المفيدة حقا التي تقدمها، بل من حيث إطلاعنا على شيء صحيح عن العالم؛ فضلا عن ذلك، تفسر الفكرة الثانية الأولى، وتفسح المجال أمام المزيد من التعمق في كلتا الفكرتين. علاوة على ذلك، ربما تتعرض آراؤنا السابقة المتحيزة ومعتقداتنا الحيوانية للتفنيد في أثناء ذلك، وهو ما يحدث فعلا؛ لأن العالم الذي يصوره العلم يختلف اختلافا ملحوظا عن العالم القائم على المنطق السليم. ولكن راسل يقول في كتاب «المعرفة البشرية» إن منفعة التطبيقات وتلك المعتقدات الحيوانية نفسها هي عوامل التبرير النهائية الوحيدة التي يمكن أن نأمل في تحقيقها في نظرية المعرفة. وهذا يقل كثيرا عما يهدف مشروع نظرية المعرفة إلى تحقيقه عادة، وهو يقل كثيرا عما كان راسل نفسه يأمل في تحقيقه حين بدأ يتولى مهمة وضع نظرية المعرفة قبل ذلك بعقود طويلة.
الفصل الرابع
السياسة والمجتمع
Bog aan la aqoon