Bertrand Russell: Hordhac Gaaban
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
وهو يؤكد أنه يمكننا إضافة نوع آخر من المعرفة إلى ذلك، وهي معرفة بديهية بحقائق المنطق والرياضة البحتة (بل وربما القضايا الأساسية لعلم الأخلاق). هذه المعرفة مستقلة تماما عن التجربة، وتعتمد اعتمادا كليا على بديهية الحقائق المعروفة، مثل «1 + 1 = 2» و«أ = أ». ويساعدنا ضم المعرفة الإدراكية والمعرفة البديهية على الوصول إلى معرفة عامة عن العالم وراء نطاق خبرتنا المباشرة؛ لأن النوع الأول من المعرفة يمنحنا معلومات تجريبية، والنوع الثاني يتيح لنا أن نستخلص استنتاجات منه.
وينقسم هذان النوعان من المعرفة إلى نوعين فرعيين، يصفهما راسل بأنهما المعرفة المباشرة والمعرفة الاشتقاقية على التوالي. وهو يطلق اسم «الاطلاع» على معرفة الأشياء معرفة مباشرة. وتنقسم الأشياء القائمة على الاطلاع إلى نوعين: النوع الأول هو «الجزئيات»، بمعنى البيانات الحسية الفردية وربما نحن؛ والنوع الثاني هو «الكليات». وللكليات أنواع مختلفة، وهي تشمل الصفات الملموسة مثل الحمرة والنعومة، والعلاقات المكانية والزمنية مثل «إلى اليسار من» و«قبل»، وبعض الأفكار المجردة المنطقية.
يطلق راسل على المعرفة الاشتقاقية للأشياء مصطلح «المعرفة بالوصف»، وهي معرفة عامة بالوقائع نصل إليها من خلال مزيج من المعرفة التي لدينا والاستنتاج منها. ومعرفة المرء بأن جبل إفرست هو أعلى جبل في العالم مثال على المعرفة الوصفية.
يطلق راسل على المعرفة المباشرة للوقائع مصطلح «المعرفة الحدسية»، ويصف الحقائق التي تعرف بهذا الأسلوب بأنها «بديهية». وهذه عبارة عن قضايا «واضحة وضوحا شديدا، ولا يمكن استنتاجها من أي شيء أكثر وضوحا منها.» على سبيل المثال، نحن نلاحظ أن العبارة «1 + 1 = 2» صحيحة. ومن بين عناصر المعرفة الحدسية تأتي إفادات من التجربة المباشرة؛ فإذا ذكرت فقط البيانات الحسية التي أدركها الآن، لا يمكن (فيما عدا زلات اللسان التافهة) أن أكون مخطئا.
تتألف المعرفة الاشتقاقية للحقائق من أي شيء يمكن استنتاجه من الحقائق البديهية عن طريق مبادئ الاستدلال البديهية.
يقول راسل إنه على الرغم من المظهر الدقيق الذي يتخذه امتلاكنا لمعرفة بديهية، فعلينا أن نتقبل أن ما لدينا من معرفة عامة إنما هو صحيح فقط في حدود صحة تبرير «التفسير الأفضل» والغرائز التي تجعله قابلا للتصديق؛ ولذلك تعادل المعرفة العادية - في أفضل الأحوال - «رأيا مرجحا بعض الشيء». ولكن حين نلاحظ أن آراءنا المرجحة تكون نظاما يتسم بالترابط والدعم المتبادل - كلما كان النظام مترابطا ومستقرا، زادت أرجحية الآراء التي تكونه - ندرك لماذا يتاح لنا أن نمنحها ثقتنا.
من السمات المهمة في نظرية راسل سمة تتعلق بالمكان، وبالتحديد الفرق بين المكان العام الشامل الذي تشغله العلوم، والأمكنة الخاصة التي توجد فيها البيانات الحسية التي يحصل عليها الأفراد المدركون. ويتألف المكان العام من الخبرات الكثيرة البصرية واللمسية وغيرها التي ينسقها المدرك في قالب يكون هو في مركزه. ولكن نظرا لأننا ليس لدينا اطلاع على المكان العام للعلوم، فوجوده وطبيعته مسألة تعتمد كليا على الاستدلال.
ومن هنا جاءت الصيغة الأولى من نظرية المعرفة والإدراك التي وضعها راسل، وذلك كما وردت في كتاب «مشكلات الفلسفة». وتتسم النظرية من الوهلة الأولى بحس منطقي بديهي، ولكنها أبعد ما تكون عن البساطة؛ فمثلا يتحدث راسل عن المعرفة «البدائية» ويصفها بأنها حدسية، ولكنه لا يقدم وصفا عن طبيعة مثل هذه المعرفة، فيما عدا القول بأنها لا تتطلب إثبات ما هو أكثر بديهية منها هي نفسها. ولكن هذا التعريف قلما يكون مناسبا، ويصبح أكثر غموضا حين يضيف أنه يوجد نوعان من البديهية، نوع واحد منهما فقط أساسي. هل هذا الفارق منطقي؟ ما هي «البديهة» على أي حال؟ وهو كذلك لا يدرس احتمال أن تتعارض قضيتان كل منهما مع الأخرى رغم أنهما تظهران على أنهما بديهيتان عند النظر إليهما على انفراد. وإذا قدر أن يحدث هذا، فأي منهما هي التي يجب اختيارها؟ وما هي المبادئ البديهية الإضافية التي تحكم اختيارها؟
ومن الانتقادات الأخرى التي وجهت إلى رأي راسل هو أنه يضع افتراضا مهما، ولكنه موضع شك عن الطبيعة الأساسية للتجربة الحسية. وهذا الافتراض هو أن البيانات الحسية - أي الحدود الدنيا الحسية مثل ألوان أو روائح أو أصوات معينة - نحصل عليها في سياق الخبرة، وأنها أكثر عناصرها بدائية. ولكن الخبرة الحسية في الواقع ليست «هزيلة» ومباشرة على هذا النحو على الإطلاق، بل هي بالأحرى خبرة وافرة ومعقدة تشمل البيوت والأشجار والناس والقطط والسحب؛ أي إنها «غليظة» وفقا لمذهب الظواهر، والبيانات الحسية لا يمكن الوصول إليها إلا بعملية معقدة تقوم على تفريغ الخبرة الإدراكية العادية من كل ما هو طبيعي من وجهة نظرنا؛ ومن ثم فإننا لا نشاهد مستطيلا ونتستنج أنه عبارة عن طاولة، بل نشاهد طاولة، وحين نبدأ في التركيز على شكلها نرى أنها مستطيلة الشكل.
لا شك أن هذا الانتقاد محق إلى حد ما، ولكن توجد طرق تتيح استيعابه وفي الوقت نفسه تسمح لنا بوصف الجانب الحسي البحت للخبرة بمعزل عن العبء المعتاد من المعتقدات والنظريات الذي تحمله هذه الخبرة. وما دامت الغاية كلها هي أننا نحاول تبرير امتلاك تلك المعتقدات عن طريق البرهنة على أن الخبرة الإدراكية تمكننا من تلك المعتقدات، فمن الواضح أننا بحاجة إلى بيان عن خبرتنا الإدراكية باعتبارها هكذا فقط، حتى نتمكن من تقييم مدى ملاءمتها للمهمة. والهدف الذي يرجوه راسل من الحديث عن البيانات الحسية يقتصر على تنفيذ ذلك فحسب. فضلا عن ذلك، أقر راسل بأن البيانات الحسية ليست «المعطيات» المباشرة الإدراكية؛ ففي كتاباته التي ألفها إبان العقد الذي أعقب كتاب «مشكلات الفلسفة»، يشير أكثر من مرة إلى أن مواصفات البيانات الحسية تأتي في المرتبة الأخيرة في التحليل، وليس في المرتبة الأولى في الخبرة.
Bog aan la aqoon