Be Supportive of Good
كونوا على الخير أعوانا
Daabacaha
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Noocyada
كونوا على الخير أعوانا
محمد صالح المنجد
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: ١٠٢
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء: ١
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: ٧٠-٧١
أما بعد:
1 / 1
فقد جاء الإسلام بالأمر بالتعاون على البر والخير والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (٢) سورة المائدة
وما أحوجنا في هذا الزمان الذي انتشر فيه الشرّ وانحسر فيه الخير وقلّ المعينون عليه أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة وندعو إليها ونحثّ عليها لما فيها من الخير العظيم والنفع العميم. من إقامة أمر الدين وتقوية المصلحين، وكسر الشرّ ومحاصرة المفسدين.
1 / 2
الإعانة ومرادفاتها في اللغة
قال صاحب الألفاظ المؤتلفة:
باب الإعانة:
يقال أعانه وأجاره وأيده.. ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره.. وظافره وظاهره ومالأه، والعون: الظهير، ورجل معوان كثير المعونة للناس واستعان به فأعانه وعاونه وفي الدعاء: «رب أعني ولا تعن علي.» وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا.
ومن ثمرات التعاون الألفة، قال الجرجاني في تعريف الألفة: اتفاق الآراء في المعاونة على تدبير المعاش (انظر الألفاظ المؤتلفة ١ / ١٥٩، التعريفات ١ / ٥١، ولسان العرب ١٣ / ٢٩٨)
وفي التعريف كلمة مهمة وهي: " اتفاق الآراء " وما توحي به من وحدة الهدف، واجتماع القلوب على بلوغه.
1 / 3
معنى التعاون شرعا
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀: " الإعانة هي: الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين، بكل قول يبعث عليها، وبكل فعل كذلك " (تيسير الكريم الرحمن ٢ / ٢٣٨ بتصرف يسير)
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ فقال: هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه. (حلية الأولياء ٧ / ٢٨٤)
يقول القرطبي في تفسيره: (وتعاونوا على البر والتقوى: هو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليُعِن بعضكم بعضا، وتحاثوا على أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي ﷺ أنه قال: «الدال على الخير كفاعله» الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٦ / ٣٣.
1 / 4
وقال القاسمي في تفسيره: (لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أُمروا - إثر ما نهوا عنه - بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى.. ثم نُهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي) (محاسن التأويل ٣ / ٢٢)
وقال ابن القيم ﵀ في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ .. الآية:
(اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله) (زاد المهاجر ١ / ٦-٧) .
1 / 5
ثم بيّن أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال: " والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا، فإن العبد وحده لا يستقلُّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعضه معينا بعضه لبعضه. (زاد المهاجر ١ / ١٣)
فالإنسان ضعيف بوصفه فردا، قوي باجتماعه مع الآخرين، وشعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال، فأمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البرّ والتقوى.
1 / 6
الفرق بين البر والتقوى، والإثم والعدوان:
قيل البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكل برّ تقوى، وكل تقوى بر. وقيل: البر يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب، وقد ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له؛ لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته. (انظر الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٤٧)
و" البرّ هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين، والتقوى في هذه الآية:اسم جامع، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. (تيسير الكريم الرحمن ٢ / ٢٣٨)
وقال ابن القيم مفرقا بينهما: " وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها فإن البرّ مطلوب لذاته إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه (زاد المهاجر ١ / ١١)
أما الفرق بين الإثم والعدوان:
1 / 7
فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: (﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ وهو التجري على المعاصي التي يأثم صاحبها.."والعدوان" وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه) (تيسير الكريم الرحمن ٢ / ٢٣٩)
1 / 8
ومن القواعد المؤكّدة في التعاون:
أن المعاونة على البرّ: برّ
قال البيهقي ﵀: " الثالث والخمسون من شعب الإيمان؛ وهو باب في التعاون على البر والتقوى قال الله ﷿ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ ومعنى هذا الباب أن المعاونة على البر بر لأنه إذا عدمت مع وجود الحاجة إليه لم يوجد البر وإذا وجدت وجد البر فبان بأنها في نفسها بر ثم رجح هذا البر على البر الذي ينفرد به الواحد بما فيه من حصول بر كثير مع موافقة أهل الدين والتشبه بما بني عليه أكثر الطاعات من الاشتراك فيها وأدائها بالجماعة " (شعب الإيمان ٦ / ١٠١)
ثم ساق حديث رسول الله ﷺ حيث قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من الظلم، فذلك نصره» أخرجه البخاري برقم ٢٤٤٤
ومعنى هذا أن الظالم مظلوم من جهته كما قال الله ﷿ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ فكما ينبغي أن ينصر المظلوم إذا كان غير نفس الظالم ليدفع الظلم عنه كذلك ينبغي أن يُنصر إذا كان نفس الظالم..
1 / 9
التعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها
يقول ابن خلدون في مقدمته:
الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكَنّ وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيّء لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه. (مقدمة ابن خلدون ١ / ٤٢٩)
وبيّن ﵀ أهمية الاجتماع والتعاون لبني البشر وذكر أن التعاون يحصل به من الثمرة أكثر من حاجات المتعاونين فقال:
1 / 10
(قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا، فالقوت من الحنطة مثلا لا يستقلّ الواحد بتحصيل حصته منه وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حدّاد ونجار للآلات وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم) . انتهى (مقدمة ابن خلدون ج: ١ ص: ٣٦٠)
ويقول في موضع آخر فيه مزيد بيان: (إن الله ﷾ خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يصلح حياتها ولا بقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركّب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه.
1 / 11
ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري.
هب أنه يأكل حبا من غير علاج؛ فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه؛ الزراعة والحصاد والدارس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل، ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلا بد من اجتماع القُدُر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم) (مقدمة ابن خلدون ٢ / ٢٧٢-٢٧٤) .
وهذا الكلام يدل قطعا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كلّ منهم ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجتمع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان ولا غنى له عنهما، وأنّ تعاون المجموعة لا يُنتج ما يكفيهم فقط وإنما يزيد ويفيض.
1 / 12
وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية، فأما بالنسبة للتعاون الشّرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البرّ والتقوى والمشاركة في الخير عدّة ومنها:
** تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾
1 / 13
** زيادة الأجر والمضاعفة: قال ابن القيم ﵀: (فإن العبد بإيمانه وطاعته لله ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة؛ فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر بل قد قيل إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين، وكذلك اشتراكهم في الجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى، وقد قال النبي ﷺ «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا وشبك بين أصابعه»، ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم، وقد أخبر الله سبحانه عن حملة العرش ومن حوله أنهم يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم وأخبر عن دعاء رسله واستغفارهم للمؤمنين كنوح وإبراهيم ومحمد ﷺ. (الروح ١
1 / 14
/ ١٢٨)
** الحاجة: فإنّ كثيرا من الأهداف والمشاريع الإسلامية لا يُمكن تحقيقها فرديا، ولهذا قيل: لا يعجز القوم إذا تعاونوا.
** إتقان العمل وسهولة القيام به يكون أبلغ مع التعاون والعمل الجماعي وذلك أن الاشتراك في العمل مع آخرين يجعله أخفّ مشقّة وأسهل لتوزّع الحمل على الجميع
والتعاون المأمور به في الآية:
الأول: تعاون على البر والتقوى؛ من الجهاد وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستيفاء الحقوق وإيصالها إلى مستحقيها، يقول القرطبي في تفسيره: (والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم»، ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصرة له ورده عما هو عليه) (الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٤٧)
والتعاون المنهي عنه في الآية: التعاون على الإثم والعدوان؛ كالإعانة على سفك دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو انتهاك عرض مصون، أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك..
1 / 15
والمعاونة تكون بالجاه والبدن والنفس والمال والقول والرأي.
1 / 16
أولا: التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين:
ويكون ذلك بنصرة الإسلام وأهله، فقد حضّ الله تعالى عباده المؤمنين على نصرة دينه وأوليائه، ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة بشتى الوسائل المشروعة، فقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الصف: ١٤، أي يساعدني في الدعوة إلى الله (البداية والنهاية ٢ / ٨٥) .
1 / 17
ولهذا ينبغي أن يتعاون المسلم مع أخيه المسلم في الدعوة إلى الله، ليشدّ أزره ويتقوى به كما قال الله تعالى لموسى ﵇: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ (القصص: ٣٥)، وقال ورقة بن نوفل للنبي ﷺ: " وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أي أعاونك وأؤيدك في نشر دعوتك، وقال جَابِرٍ ﵁ «مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ» رواه الإمام أحمد في مسنده ١٣٩٣٤
1 / 18
ومن صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين: جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله ﷿، ومشاركة أهل الدعوة الإسلامية في الحروب ضد أهل الكفر والضلال، وتهيئة جميع الوسائل والعدة والعتاد من أجل الجهاد في سبيل الله؛ وقد تعاون الصحابة في الجهاد في مشاهد كثيرة ومواقف متنوعة ومن ذلك حفر الخندق وأصابهم في ذلك ما أصابهم فصبروا، فعن جابر ﵁ أنه قال: «لما حفر النبي ﷺ وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي ﷺ على بطنه حجرا من الجوع» أخرجه البخاري برقم ٤١٠١.
ومن صور التعاون في نصرة الدين التي حدثت في عهد النبي ﷺ: التعاون على قتل مدعي النبوة، وقتل رؤوس أهل الشرك والمرتدين ومنهم الذين يسبون النبي ﷺ
1 / 19
فعن جابر بن عبد الله ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن سلمة، فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال: قل»، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنّانا وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: والله لتملّنّه (ليزيد ضجركم منه) قال:إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، فقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين، فقال: نعم ارهنوني، قالوا: أيّ شيء تريد؟ قال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب. قال: فارهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم، فيقال: رُهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة (يعني السلاح)، فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعي لطعنة بليل لأجاب، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت
1 / 20