وغادر الأب الحجرة ليمنح الأم فرصة أطيب، ولكن طاهر لم يقل شيئا. ولم يكن يعرف أكثر مما قال؛ ولذلك لم يستخلص أحد منه جديدا لا في تلك الليلة ولا في الأيام التالية. ونصحه والده بالتريض في الشوارع المحيطة بمسكنهم ساعة كل يوم قبل أن يجلس للمذاكرة. واعتبر الحادث عرضا من أعراض الإرهاق العصبي. ولم يعد أحد يذكره، ثم نسوه تماما.
ويوما قال حسن دهمان باهتمام: دعوت مديرنا الجديد إلى سهرة لطيفة في حديقتنا الصغيرة.
وخاطبت الأم الأبناء قائلة: يجب أن نظهر بالمظهر اللائق، وأن تمكثوا معنا قليلا ثم تنصرفوا للمذاكرة، وسيتوقف على لباقتكم نجاح الحفلة.
وتساءل طاهر: أهو صديقك يا بابا؟
فتفكر الرجل مليا، ثم قال: الصداقة نعمة كبيرة، وعلينا أن نستزيد منها كلما وسعنا ذلك، والمدير العام مجرد زميل أكبر، ولكنه سيكون غدا صديقا، والحياة الاجتماعية تطالبنا بواجبات نافعة لا بد منها.
وقال طاهر لنفسه: هذا هو عين العقل. وكان المدير الجديد قصيرا بدينا ضخم الوجه، والرأس أصلع، ويتكلم ببطء شديد. وأنعم طاهر فيه النظر وهو يقاوم رغبة شريرة في الضحك. وأعجبه منظر أمه وهدى وهما في كامل زينتهما، وتابع أحاديث أسرته الطلية بدهشة. وسمع والده يستشهد بالشعر أكثر من مرة، وسمع أمه وهي تعلق على شكوى المدير من كثرة نسيانه قائلة: تلك آية العبقرية يا سعادة البيه.
وانسحب سمير وهدى في الوقت المناسب، ولكن طاهر لم يبرح مجلسه، ورغم إشارات أمه الخفية لم يبرح مجلسه، ولما لاحظ أبوه تطلعه إلى المدير قال له: آن لك أن تذهب يا طاهر.
فتساءل طاهر: ألا أقول شعرا يا بابا؟
وقطب الأب على حين سأله المدير: أأنت شاعر؟ - كلا، ولكني أحفظ الشعر. - إذن أسمعني لأعرف ذوقك.
فقال طاهر بانتصار: علو في الحياة وفي الممات. - شعر مشهور. - قيل لمناسبة شنق رجل!
Bog aan la aqoon