والصديق أو زبون المحل الذي يأتي بقصد التلهي لا الشراء يقبع في الزاوية الأخرى قبالة صاحب الدكان. وبما أن القهوة موجودة في جميع الأسواق فتصب القهوة المرة
2
للضيف بناء على إشارة صاحب الدكانة ويقدم له الغليون؛ لأنه - كما يقول الهواة: ما من لذة تضاهي لذة تناول جرعات من القهوة والتدخين عليها، فتتمازج وتطيب آنا بعد آن، إنها أفخم مأدبة يمكن أن يدعى إليها شرقي.
فالقهوة في الشرق تصب للضيوف - كما نعلم - في جميع المناسبات؛ تصب عند الباشوات وعند الفقير المعدم. وقد اضطر الأوروبيون الذين يسكنون تركيا إلى اتباع هذه العادة، حتى إنه إذا لم تقدم القهوة لابن البلد فلا يعزو هذا الأخير المنسي ذلك الإهمال إلى عدم التهذيب، بل يعتبر أن كرامته قد جرحت. وهذه العادة تفشت كثيرا حتى تسربت إلى جاليتنا، فأصبح النزق الفرنسي يدفع الكثيرين منا إلى التذمر من عدم تقديم القهوة لهم في بيوت أوروبية، عازين ذلك إلى قلة الاعتبار والاحترام.
إن عظمة الدارات وجمال الينابيع لم تعرفها بيروت أيضا. وإذا كان هنالك فسحة دبرتها يد القدر في هذه المدينة، فإنها تصبح محلا تكدس فيه البضائع.
أما المقاهي - وما أكثرها هنا - فهي عبارة عن غرفة مظلمة رديئة البلاط تنتصب حولها مقاعد من الحجارة، مفروشة بحصير، تنتشر فيها عدة كراسي علو الواحدة منها خمسة وعشرون سنتيمترا، يجلس عليها المتفرجون في داخل القهوة وعلى الطريق العام. أما في المدخل فيقوم موقد عليه إبريقان أو ثلاثة أباريق للقهوة، واثنا عشر فنجانا مغلفة بظروف
3
من النحاس الأصفر. وإلى جانب الموقد تصفف النارجيلات وهي عجمية الأصل يدخن بها التنباك، وهو نوع من التبغ ذو طعم حاد جدا، وهذا ما يحدو إلى تدخينه من خلال الماء؛ إذ لا يمكن احتماله بغير هذه الطريقة.
أما في المساء فتكون المقاهي مطروقة جدا، وقلما تمتد السهرة إلى ما بعد العشاء؛ إذ تقام الصلاة بعد انقضاء ساعة ونصف من غياب الشمس؛ إنها الفترة القصيرة التي يقوم بها القصاصون العرب ولاعبو الكركوز بتحريك مواهبهم وإلهاب قرائحهم.
إن الشرقيين بعيدون جدا عن التجديد، حتى إن المواضيع التي قلدوا بها المشاهد الصينية لم تتغير؛ فهي هي منذ أربعين سنة لا تزال كما عرفتها فيها. لقد حضرت هذا المشهد نفسه في أفريقيا واليونان وسوريا. إن لاعبي الكركوز يقدمون بعض الأحيان على الهزء بالشخصيات المحترمة والحوادث الحديثة العهد. وقد بدا لي أن عواقب هذا العمل تحمل على السخط والتقزز؛ إنه يئول إلى إفساد أخلاق الممثلين والمتفرجين الذين يضمون بينهم العدد الكبير من الصغار فتفسد أخلاقهم. ومن حسن الحظ أن هذا المشهد القذر قد ألغي في الجزائر؛ حيث كان يقام بتمثيل ملذات من يتعودون أن يرتادوا المقاهي المغربية.
Bog aan la aqoon