وفي تلك الأيام؛ ونظرا لهذه العوامل نفسها، أثرت ضواحي هذه المدينة، وازداد عدد سكانها، حتى إنه لم ير في جميع البلدان - الخاضعة لسيطرة أمير الجبل - بلد مأهول هانئ العيش أكثر مما هي عليه الضاحية المجاورة لبيروت، والممتدة من نهر المعاملتين حتى الشويفات.
أوحى اضطرار التجار إلى استرداد أموالهم التي سلبت ظلما - أو هدرت في تنقلاتهم - كثيرا من الأساليب البارعة؛ لقد أصبحوا جريئين بقدر ما تسمح لهم الضمانات التي يوفرها لهم مستقرهم الجديد. لم يكن يعوقهم عن التبسط في أعمالهم التجارية إلى مدى بعيد إلا عدم الحماية. غير أن الأوروبيين الذين استقروا في بيروت أخذوا على عاتقهم حماية أملاك هؤلاء من القراصنة اليونان الذين كانوا يغزون البحار آنذاك، ثم قبلوا فيما بعد أن يودعوا في مخازنهم البضائع التي يجد تجار البلاد بعض المنفعة في تسليمهم إياها:
أولا:
لأنهم يجنون بعض الربح من الفروقات العائدة إليهم من رسوم الجمارك، فالأجانب يفضلون من هذا القبيل على أبناء البلاد.
ثانيا:
كي لا تعرض أموالهم للخطر إذا ما افتضح أمرهم، وفهم أن هذه البضائع هي لهم.
والمنفعة الأخيرة التي كانوا يجنونها هي سحب ما يشاءون من هذه البضائع بصورة تدريجية لأنهم مضطرون حسب الظروف إلى سكنى المدينة أو الجبل.
وقرائي الذين لا يعرفون تركيا إلا معرفة مشوهة ناقصة يدهشهم هذان العاملان؛ الأول: وهو أن السلطات كانت تصطنع أساليب تسبب نزوح الأهلين، وتشل كل صناعة؛ وبالتالي خراب البلاد. والثاني: أن الأوروبيين كانوا ينعمون - فيما يتعلق برسوم الجمارك - بامتيازات خاصة على حساب الرعايا العثمانيين.
ومهما قيل؛ فأساليب الحكم في تركيا تناقض تماما الأساليب المتبعة عندنا، السلطة في أوروبا تحمي أبناء البلاد، وتسهر على رفاهيتهم، وتدرس الأسباب التي تؤدي إلى زيادة عددهم، وأخيرا فإنها تفضل المواطنين على الأجانب. أما في سوريا فالعكس بالعكس. إن الإجراءات التي اتخذت لم يكن ينتظر أن تحدث غير هذه النتائج، إن المظالم قد ألغيت؛ إذ لم يعد باستطاعة الباشوات أن يفرضوا على المدن ضرائب باهظة، أو يكلفوا الأشخاص فوق طاقتهم. ومع ذلك فقد كان الأفراد في مناسبات شتى يضطرون إلى أن يدفعوا مبالغ كبيرة توصلا لممارسة حقوقهم، أو دفعا لما يخشى أن يحكم به عليهم إذا ما رأوا أنفسهم متهمين.
أما الآن فإن رسوم الجمارك أصبحت تستوفى على قدم المساواة؛ فالمواطنون يعاملون كالفرنسيين.
Bog aan la aqoon