كنت جد سعيد بمعاوني في أثناء إقامتي الطويلة في بيروت؛ لأني بعد أن فقدت السيد فليكس دابون الذين لم يكن ينقصه إلا عدم معرفته التركية، حظيت بالسيد ف. جوريل المستشار في الإسكندرية اليوم. أظهر هذا في مواقف كثيرة أنه من خير تراجمتنا الألباء؛ وإني أود أن أحيي فيه ذكاءه وعرفانه للجميل وأخلاقه الطيبة. وها أنا أعد لهذا العمل السيد حبيب برباره معاون ترجمان، وهو على جانب كبير من الذكاء. كانت تعوزه أولا معرفة أن الحجة الصغيرة هي عادة أجدى نفعا من الدسائس والأدلة التي ليس لها سوى الظاهر.
إن الشرقيين صحيحو التفكير على قلة محصولهم من الثقافة، وإذا خدعتهم البراهين فإنهم لا يصرون على ما اعتقدوا صحته إذا ما بدت لهم الحقيقة ولمسوها.
ومنذ مدة ليست ببعيدة شرع التراجمة ينزوون في دواوينهم مستسلمين للكراهية التي يشعرون بها، هذه الكراهية الناتجة عن عدم استطاعتهم القيام بمهمتهم بصورة يحصلون فيها على تعويضات كافية؛ لأن معرفة لغات الشرق لا تكفي؛ فهناك عادات وطرق وأساليب تختلف كل الاختلاف عن عاداتنا وطرقنا وأساليبنا؛ ولهذا تكون الخدمة ناقصة إذا أحسنا هذه ولم نعرف تلك معرفة كافية. وهذا ما يولد المقت والكره في نفوس تراجمتنا، فيهلعون لدى مجيئهم فتيانا إلى الأساكل؛ إذ تتراءى لهم الصعوبات الواجب تذليلها ليستطيعوا خدمة وطنهم. أما فيما عدا ذلك فالمناصب على اختلاف درجاتها شريفة كلها، يشعر المرء عند ممارستها بلذة أداء الواجب وإسداء المنفعة في كل المناسبات.
أجل، ليس بإمكان هؤلاء أن يحتلوا جميعا المقام الأول في مختلف الحالات. بيد أن الكفاءة هي هي، سواء أكان ذلك عند القيام بأعباء المناصب الوضيعة أو المناصب الأشد رفعة وخطورة. كان التراجمة الأول من الأرمن الشباب الذين أوفدوا إلى الأساكل - وعلى الأخص إلى القسطنطينية - بعد أن تلقنوا دروسهم في باريس؛ ومن هنا جاء اسم مدرسة الأرمن.
أمسى معاونو التراجمة حاجة لا يستغنى عنها، بقطع النظر عما ينتج عن تصرفاتهم من عواقب وخيمة؛ نظرا لميل الشرقيين القوي إلى الاحتيال والدسائس؛ ولهذا يتوجب السهر عليهم.
إننا نجد بينهم - ولا شك - موظفين يمتازون بصفاتهم الطيبة ونبل أخلاقهم على الأخص. غير أن عددا كبيرا منهم يرتكبون أخطاء كبرى، حتى إنهم يحققون كلمة قالها أحد سفرائنا المشهورين:
1
إن التراجمة هم طاعون ثان.
لا يعني سفيرنا بقوله هذا إلا التراجمة الشرقيين الذين عرفهم يومذاك، ثم تراجمة بقية الدول بوجه عام، وأنا أستثني من كلامي التراجمة الفرنسيين الذين أحترمهم كثيرا. إني أقدر مساعداتهم المجدية، وملاحظتي هذه لا تطبق على العرب الذين هم في خدمتنا فحسب، بل على تراجمة القنصليات الأخرى؛ إذ إن لدى كل واحدة منها ثلاثة منهم أو أربعة.
إن مساوئ التراجمة - ومساوئ التجار والسماسرة والكتبة والمستخدمين الذين حماهم هؤلاء التراجمة - قد سببت عدة شكاوى وملاحقات أمام السلطات، وهذا ما كان يرهق خزينة القناصل ويلحق الضرر برعاياهم، حتى إذا ما مست الحاجة إلى المال وجدوا الخزينة فارغة نظرا للخسائر التي تحملها القناصل في المصالح الأجنبية، إن قانون 1781 المعترف بحكمته شاء أن تكون الحصانة على الوظائف وليس على الأشخاص. وطبقا لهذا المبدأ فإن قناصل فرنسا أبوا دائما أن يستعينوا برجال يرتشون.
Bog aan la aqoon