وتحول الليل إلى نهار بفعل القنابل الفسفورية التي تفجرت في السماء كاشفة كل أرجاء المعسكر وتفاصيله، بل إن تفاصيل الجنود المعتدين بآلات حربهم التي تبدت أكثر شيطانية ووضوحا وهم ينسفون البنايات المحيطة التي نزل عنها سكانها، متلاصقين على ذات النحو، كمثل جسد واحد يتعذر انفكاكه لحين أن تحصدهم النيران، فيسقطوا على ذات الوضع المتلاحم كتلة صماء واحدة ... جثة.
حاول محمود العريض وهو يتداخل أكثر في الفتاتين وبقية الموجودين التنبيه لما يحدث، صوت مكبرات الصوت العالية التي لا يصل صوتها بفعل القذف المتواصل والانفجارات وصرخات أهالي المخيم، الذي تحول بكامله إلى كتلة من النيران الزاحفة دون أن يسمع شيئا.
كان المعتدون يصعدون البنايات المحيطة والمواجهة، بأيديهم مدافعهم وقنابلهم، بل وسيوفهم وخناجرهم التي تقطر دما، بفعل وهج القنابل الفسفورية: مذبحة.
أحاط بالمستشفى كتيبة كاملة من الجنود، وبدوا وهم أكثر قربا مقنعين، لا يبين من وجوههم المتحفزة للقتل والتمثيل بالجثث لتغيب ملامحها سوى عيونهم الغريبة الملونة.
صرخ أحدهم بالعربية: العواجيز هنا.
هنا اندفع الجميع جريا ينزلون السلالم، إلا أن بقية الجنود المهاجمين تفرسوهم مسرعين، معيدين الجميع، فيما عداه «المهاجر»، وفي أثره العريض الذي بدا للحظة مهدما لا يقوى على الوقوف.
وقبل أن يستدير المهاجر كانت النيران قد حصدت الجميع من ثلاثة اتجاهات، حيث سقطوا من أعلى السلالم كتلة واحدة.
وتقدم الباقون بأيديهم سلاحهم الأبيض، فمضوا من فورهم يجزون الرءوس، أحس بأن عينيها كانتا تحطان عليه، وهو يركض هلعا عبر الأستار وأحد الجنود يمزع بطنها عرضا: ابنتي.
ظل المهاجر ورفيقه اللبناني يجرون عبر أستار الليل، وانضم إليهما بعض الراكضين والهاربين، إلى أن خرجوا من أسر المذبحة ... شاتيلا.
كان ما يزال نائما على مقعده، رأسه إلى الوراء وغطيطه المتقطع غير المنتظم يثير الركاب.
Bog aan la aqoon