الفصل السادس عشر
بدا المهاجر وفتاة الجنوب تحت ضماداتها الصمت كما لو كانا ينصتان عن آخرهما إلى دوي الطائرات الأمريكية المعربدة دون رادع، حياء في سماء بيروت المقاتلة. - مرضى ... صهاينة.
جاءت الممرضة بوجهها المستكين المتجهم الذي ذكره بوجه العالية، وراحت من فورها ترفع أربطة الفتاة من حول صدرها الكبير المغطى بالدماء، مضت تدلكها محاولة تخليص لفات القماش الطبي المتجلطة بالدم الأحمر النازف المتجمد فيما حول تكورات نهديها النافرين: آي.
هاله جمال صدرها حين هب برأسه عن وسادته، ومضى يرقبهما في فضول لا يخلو من شره: فاشست.
وحين أحست الممرضة المتجهمة طويلة الوجه بما يعتمل في أعماقه؛ طمأنته: إصابة سطحية.
ذكره الدم المتجلط فيما حول صدر الفتاة الرحب، بذلك الشعار الدموي السالف لأرجوان فينيقيا الذي تغنت به الإلياذة الهومرية.
عاود الاسترخاء بملامسة رأسه لوسادته، متحسسا ما تحتها بيده اليسرى: الموسى.
من جديد تلاقت عيونهما الغائرة في ثقب الضمادات البيضاء: بسيطة.
هزت له رأسها مبتسمة لحظة انسحاب الممرضة المتجهمة التي سحبت شنطتها خارجة، مغلقة الباب عليهما في عنف صاخب.
من جديد عاودهما الصمت الذي لم يكن يقطعه سوى دوي القنابل التي تطحن أحياء الفقراء والمهجرين في صبرا وبرج البراجنة وشاتيلا وما حول الجامعة العربية، ويسمع صداها المدوي عبر الليل والإظلام في شوارع الحمراء: آي.
Bog aan la aqoon