Bayna Jazr Wa Madd
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Noocyada
صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
تأليف
مي زيادة
المقدمة
بقلم سلامة موسى
مي كاتبة الشباب، تنافح عن حقوقه وتعتذر عن أغلاطه، وهي تفعل كل ذلك بروح الاعتدال مسوقة في ذلك بالطبع لا بالتطبع.
ثم هي أيضا لأنها شرقية تحب الشرق وبخاصة مصر وسوريا بقلبها وعواطفها، ثم لأنها ذكية تحب الحضارة الغربية وتدعو إليها، وذكاؤها ووطنيتها كلاهما يدفعانها إلى الإعجاب بهذه الحضارة والحث على اصطناعها؛ لأنها من الجهة الواحدة نتاج عظيم للذهن الإنساني، ومن الجهة الأخرى سلاح يمكن الشرق أن يرد به غارة الغرب.
فبهذا المفتاح يمكننا أن نفهم مي، وأن ندرك معنى المثل العليا التي تتشوف إلى تحقيقها، وأن نعطف عليها، ومن هذه الوجهة تكاد جميع مؤلفاتها تتجه إلى غاية واحدة وإن اختلفت الوسائل، وهذه الغاية هي إصلاح هذا الشرق، وتنبيه شبابه إلى اصطناع المثل العليا، والحث في كل ذلك على التجديد.
فهي تساير الشباب في رغبته في تجديد اللغة والميل بها إلى التطور والإقلاع عن الجمود، وتسايره أيضا في نزعته إلى الإصلاح الاجتماعي أو الاشتراكي؛ الذي كان سببا في نهوض أوروبا في الثلاثين السنة الماضية، وفي تشوفه إلى صوفية طليقة من القيود المذهبية والفروق الدينية، التي كثيرا ما مزقت الوحدة الوطنية والرابطة القومية، ولكنها لما استقر في نفسها من ذلك المزاج الذي يقوم لديها مقام الصابورة من السفينة، تراها على الدوام معتدلة بحيث يقرأها الشاب الثائر فيرتاح إليها، ويقرأها الشيخ الجامد المتزمت فلا يجد ما ينقم منها.
وإنه لمن أوضح البراهين على صحة نهضتنا أن نجد آنسة مسيحية مثل مي تدافع عن العرب واللغة العربية، كما يرى القارئ في أحد مقالات هذا الكتاب، ففي هذه المقالة: «حياة اللغات وموتها» نجد مي عاطفة على اللغة العربية، راجية لها الحياة، تستقرئ الماضي لكي تستضيء به في المستقبل، تتهكم من طرف خفي على أولئك الشيوخ الذين ألفوا المجمع اللغوي، فما هو أن تركهم لطفي السيد حتى انتثر عقدهم.
Bog aan la aqoon