U Dhexeeya Diinta iyo Falsafada
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Noocyada
ونصل بعد نهاية هذا الفصل الثالث للقسم الثاني والأخير من هذا البحث، وهو القسم الأساسي الجوهري منه، فنبين مبلغ احتفال فيلسوفنا بناحية التوفيق التي عالجها أسلافه دون أن يقارب واحد منهم مبلغ اهتمامه بها، حتى لقد خصص لها من تآليفه ثلاثة كتب مهمة: فصل المقال، والكشف عن مناهج الأدلة، وتهافت التهافت.
ونبين أولا بعد ذلك، كيف تصور العلاقة بين الدين والفلسفة، وعلى أي أسس تقوم هذه الصلة، وهذا هو موضوع الفصل الأول.
وبعد هذا الفصل الأول الذي يرى ابن رشد وجوب تأويل بعض النصوص المقدسة من القرآن والسنة، تأويلا مجازيا لطبقة خاصة هي أهل الاستدلال والفلسفة، نلاحظ أن هذا الضرب من التأويل كان معروفا عند فلاسفة اليونان وغير اليونان، وإذن يكون من الضروري الكلام عن التأويل المجازي لبعض النصوص الدينية عند سابقي فيلسوف الأندلس، وهو التأويل الذي اعتمده عن علم به، أو مصادفة واتفاق معه، وذلك ما يكون الفصل الثاني.
ثم يكون الكلام بعد هذا عن تطبيق ما وضع من مبادئ وأصول، لنعرف كيف استدل للعقائد الدينية التي جاء بها الوحي، استدلالا يوافق كل طوائف الناس جميعا على اختلاف مداركهم وعقولهم ومواهبهم، وذلك في غير ضرر، ولا تحيف للدين أو الفلسفة، وهذا هو موضوع الفصل الثالث.
ومع ذلك كله؛ فإن ابن رشد كان يرى أنه لا يمكن أن يصل إلى التوفيق بين الوحي والعقل دون أن يرد على «تهافت الفلاسفة» للغزالي ويهدمه هدما، فإن حجة الإسلام الغزالي عمل حقا على هدم الفلسفة، وعلى بيان تهافت الفلاسفة فيما ذهبوا إليه من ناحية الدين وناحية الفلسفة معا.
رأينا إذن أن نخصص فصلا خاصا نبين فيه الظروف والعوامل التي دفعت الغزالي إلى اتخاذ هذا الموقف الشديد ضد الفلسفة والفلاسفة، ونحلل فيه كتابه الهام جدا في هذه الناحية، ثم نصل بعد هذا وذاك إلى موقف ابن رشد من هذا الكتاب كما نراه في كتابه «تهافت التهافت»، هذا الكتاب الذي بذل فيه كل ما أوتي من جهد لهدم كتاب خصمه العنيف أولا، ثم للدفاع عن الفلسفة والانتصاف لها ثانيا.
وإذن في هذا الفصل الرابع والأخير من هذا القسم، سنتناول بالتفصيل ردود الغزالي على الفلاسفة ، ثم ردود ابن رشد عليه، فنحلل أولا ردود الغزالي إلى العناصر التي تتكون منها، ونبين المبادئ والقواعد التي قامت عليها.
نبين أنه قصد مرة إلى ذم الفلسفة وتحقيرها، وبيان أنها لا تؤدي إلا إلى أخطاء وتناقضات، وبذلك يصل إلى صرف الناس عنها، كما قصد مرة أخرى إلى تكفير الفلاسفة لينزع الثقة منهم، وليحول بين الناس والإقبال عليهم، وأحيانا نراه يؤكد عجز العقل عن الوصول للحقيقة، وأن الإلهام التصوفي هو الطريق الأخير المأمون للوصول إليها، وأحيانا أخرى يجنح إلى المغالطة؛ إذ يرد على الفارابي وابن سينا موهما أنه بذلك رد على الفلاسفة جميعا، كما قد يكتفي بالجدل دون بيان الحق في مسائل النزاع، مصرحا بأن غرضه هو بيان تهافت الفلاسفة لا بيان الحق في المشاكل المختلف فيها.
وفيما يختص برد ابن رشد على الغزالي، نراه يتعقبه فيما قصده خطوة بعد خطوة؛ إذ يبين أن الفلسفة متفقة مع الدين، بل إنه يأمر بها، وإذن فهي غير حرية بالذم والتحقير، كما يبطل تهمة كفر الفلاسفة ببعض الآراء التي ذهبوا إليها، وذلك بتأويلها تأويلات تبعدهم عن الكفر، وفي النزاع على مدى قدرة العقل على الوصول للحقيقة، نرى رأيه المبثوث في مختلف كتاباته ومؤلفاته.
وكذلك نرى في تلك الكتابات مقدار عنايته بإظهار مغالطات خصمه وسفسطته، ونعيه عليه الإقذاع في سب الفلاسفة، مع استفادته منهم حصافة الرأي وإصابة التدليل ونباهة الذكر.
Bog aan la aqoon