U Dhexeeya Diinta iyo Falsafada
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Noocyada
7
على أننا نوافق على ما ذهب إليه كل من «رينان» و«مونك» من نفيهما أن يكون ابن باجة من أساتذة ابن رشد في الفلسفة، وأن ابن أبي أصيبعة قد أخطأ حين ذكر ذلك في حياة ابن باجة،
8
فإن هذا قد توفي حين كان ابن رشد طفلا لما يجاوز الثانية عشرة من عمره.
ومن المؤسف ألا يكون ابن أبي أصيبعة قد أمدنا بتاريخ مفصل عن حياة فيلسوف الأندلس ودراساته، وقد كان هذا في مقدوره إذ كتب تاريخه «طبقات الأطباء» بعد وفاته بنحو أربعين عاما! ولعل السبب هو ما نعتقده من أنه قد جرى على سنة كثير من مؤرخي العرب من عدم العناية بالمرحلة الأولى من حياة المترجم؛ إذ لم يكن قد تبين بعد نبوغه .
ومهما يكن من شيء، فإنه من المعروف أن ابن رشد ولي قضاء قرطبة زمنا طويلا، ويدل لذلك وصفه نفسه في ابتداء بعض مؤلفاته أو نهايتها بأنه قاض، وكذلك يؤخذ من هذه المؤلفات أن مهام منصبه واتصاله بالخلفاء الموحدين أوجب أن ينتقل كثيرا ما بين مراكش وإشبيلية وقرطبة.
أما كيف اتصل بخليفة الموحدين الأمير يوسف بن عبد المؤمن، الذي ولي سنة 558ه، بفضل ابن طفيل الذي كان جليس هذا الأمير ومعنيا باجتذاب العلماء والفلاسفة إليه على ما تقدم ذكره، فهذا ما يقصه لنا فيلسوفنا نفسه كما يرويه عبد الواحد المراكشي؛ إذ يذكر أن تلميذ ابن رشد الفقيه الأستاذ أبا بكر بندود بن يحيى القرطبي أخبره أنه سمع الحكيم أبا الوليد يقول غير مرة: «لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب وجدته هو وأبو بكر بن طفيل ليس معهما غيرهما، فأخذ أبو بكر يثني علي ويذكر بيتي وسلفي ويضم إلى ذلك أشياء لا يبلغها قدري، فكان أول ما فاتحني به أمير المؤمنين بعد أن سألني عن اسمي واسم أبي ونسبي أن قال: ما رأيهم في السماء - يعني: الفلاسفة - أقديمة هي أم حادثة؟ فأدركني الحياء والخوف، فأخذت أتعلل وأنكر اشتغالي بعلم الفلسفة، ولم أكن أدري ما قرر معه ابن طفيل، ففهم أمير المؤمنين مني الروع والحياء، فالتفت إلى ابن طفيل وجعل يتكلم على المسألة التي سألني عنها، ويذكر ما قاله أرسطوطاليس وأفلاطون وجميع الفلاسفة، ويورد مع ذلك احتجاج أهل الإسلام عليهم، فرأيت منه غزارة حفظ لم أظنها في أحد المشتغلين بهذا الشأن المتفرغين له، ولم يزل يبسطني حتى تكلمت فعرف ما عندي من ذلك، فلما انصرفت أمر لي بمال وخلعة سنية ومركب.»
9
ثم كان ابن طفيل نفسه هو الذي طلب من ابن رشد أن يتوفر على تلخيص أرسطو وشرحه، وذلك في حديث جرى بينهما ذكره المؤرخ نفسه، وكذلك صادفت رغبة الخليفة شرح أرسطو ميلا شديدا لدى فيلسوفنا إلى هذا العمل الكبير، فشرع بكل عقله وقلبه في القيام بتحقيق هذه الرغبة بتوضيح أغراض أرسطو الغامضة، وتلخيص ما كتب، وشرحه ليقرب مأخذه ويسهل تناوله، وساعده على هذا العمل الشاق كما جاء في حديث ابن طفيل عنه، جودة في الذهن، وصفاء في القريحة، وميل شديد للفلسفة.
10
Bog aan la aqoon