U Dhexeeya Libaaxa Afrika iyo Shabeelka Talyaaniga
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Noocyada
تكتب الأقدار على كل رجل أن يقوم بواجب النجدة والإنقاذ، ولا تعلم إلا الأقدار نفسها مكان هذا الرجل، فتعده وتحيطه بالعناية، وتتعهده بالتربية كالأم الرءوم؛ ليقوم بما وكلت إليه القيام به.
وهذا ما حدث في أرض الحبشة ، فقد بعثت العناية وحيوية الأمة بالرأس ثيودورس ليكافح بريطانيا، وبالرأس يوحنا ليكافح مصر، ثم بالإمبراطور منليك ليكافح إيطاليا؛ ففشل الأول، ولكنه فاز بجمع كلمة البلاد، وسقى بدمه شجرة الاتحاد، وانتصر الثاني على مصر مرتين، فكسب لشعبه هيبة لا تنسى، وخرج الثالث مكللا بتاج النصر، وما زال حامله إلى أن مات.
كانت إنجلترا في علاقتها بالحبشة كريمة، فلم تصارحها العداء إلا بعد أن رأت منها المناوأة والمشاكسة، ولم تكن إنجلترا تفكر مطلقا في الاستيلاء على الحبشة، بل كانت تريد أن تفتح لتجارتها أسواقا على شاطئ القلزم وفي شرق أفريقيا، وكانت تريد أن تكتشف الحبشة لتأمن جانبها في مستقبل الأيام، لتشعب مصالحها في كل بقعة من البر والبحر على مقربة من إثيوبيا. وقد فطن الإنجليز إلى أن مركز الحبشة في أفريقيا بالنسبة لإمبراطوريتهم يشبه مركز الأفغان في آسيا.
ولعل مركز الحبشة أهم لأفريقيا من مركز الأفغان للهند، فإن من يملك الحبشة يملك البحر الأحمر، وشرق أفريقيا، ومنابع النيل، ويسيطر على السودان ومصر، وعلى وسط أفريقيا وجنوبها. فإنجلترا تريد أن ترقب كل ما يقع في الحبشة بعين لا تغمض، ولكنها لا تريد أن تملكها، ولإنجلترا سياسة تقليدية لا تحيد عنها قيد شعرة. وفوق هذا فإن الإنجليز يعلمون أن الاحتفاظ بالحبشة «شارية وعميلة» خير من التغلب عليها واستعمارها. وما أصدق فراسة الرأس علي عندما قال لبلودل وهو يوقع معاهدة الصداقة في سنة 1843، وكان يخط اسمه بالخط الأمهري وهو باسم: «إن هذه المعاهدة لن تفيد أحدا؛ لأنه ليس في الحبشة ما يغري أحدا من الإنجليز!»
ولكن ما لا يغري الإنجليز يقنع صاحبه ويكفيه، وقد يغري غير الإنجليز فيجردوا الطائرات، والمدمرات، والبوارج، والجنود، والبغال، والجمال، والأنعام، وقد يخاطر هذا القادم على حرب أفريقية بما يزيد على ما يؤمله من كسب، أو يتوهمه من ربح.
1
فإذا كانت الحرب عملية حسابية وجب عليه أن يرجع عنها ويعود أدراجه راضيا من الغنيمة بالإياب، وصائنا أرواح الأولاد والأقارب والأصحاب، وإن كانت الحرب للمجد، فبئس المجد الذي يعرض طالبه للخراب، ولديه في ميادين أخرى أكاليل أخرى أحق بالتطاحن، وأحرى بالكفاح.
وقد دهش العالم المتمدن من أن يرى زعيما شهيرا، وحاكما مدبرا كالزعيم الإيطالي راضيا بل متلهفا على أن يضع أمة أبية عظيمة في موقف عسكري ومركز مالي لا يدعوان إلى الارتياح، ولا تؤمن عاقبتهما، فقذف بربع مليون رجل إلى شاطئ مقحل، وأرض جرداء، وصحارى صخرية كالحة يابسة تبعد عن أرض الوطن بألوف الأميال، وكل ذلك وسط مخاطر ومهالك قد تستمر بضع سنين.
2
ولكن يظن البعض خطأ أن سحب الجنود الإيطالية من شرق أفريقيا بدون قتال قد يؤدي إلى العصيان والفتنة، وقد ينذر بسقوط الذين نادوا بهذه الحرب وأعدوا لها ما استطاعوا، ثم ترددوا أو خشوا العواقب، فعادوا من حيث أتوا.
Bog aan la aqoon