فتساءل لا عن رغبة في المعرفة، ولكن تفاديا من الصمت الذي خاف أن يفضح استياءه: ترى من يكون هذا الرجل الكريم؟
فقالت وهي تدير عجلة المصباح لترفع فتيلته: إنه من حينا ولا بد أنك تسمع عنه ... السيد أحمد عبد الجواد ... - من؟!
فالتفتت نحوه دهشة لترى ما أفزعه، فألفته متصلب القامة جاحظ العينين، فسألته مستنكرة: ما لك؟
كان تلقي الاسم الذي نطقت به كأنه مطرقة هوت بعنف على يافوخه، فند عنه التساؤل في نبرات صارخة من الفزع وهو لا يدري، وغاب عما حوله لحظات مليئة بالذهول، ثم تراءى له وجه زنوبة في حالة من الدهشة والإنكار، فخاف افتضاح أمره وركز إرادته كلها في الدفاع عن موقفه، فعمد إلى التمثيل يداري به فزعه، فضرب كفا بكف كأنما لا يصدق ما قيل عن الرجل لظنه الوقار به، وتمتم مستغربا: السيد أحمد عبد الجواد! ... صاحب دكان النحاسين؟
فحدجته بنظرة انتقاد مر لإزعاجها بلا سبب، وسألته مستهزئة: نعم هو ... فلماذا استصرخك كأنك عذراء تفض بكارتها؟
فضحك ضحكة آلية، وقال كالداهش وهو يحمد الله في سره على أنه لم يذكر لها اسمه كاملا يوم التعارف: من يصدق عن هذا الرجل الوقور الورع؟!
فرمته بنظرة ارتياب، ثم قالت ساخرة: أهذا ما أفزعك حقا؟ ... ولا شيء غيره؟! أظننته من المعصومين؟ ... وماذا عليه من هذا؟ ... هل يكمل الرجل إلا بالعشق؟!
وقال بلهجة المعتذر: صدقت ... لا شيء يستحق الدهش في هذه الدنيا (ثم ضاحكا في عصبية) تصوري هذا الرجل الوقور وهو يطارح السلطانة الغرام ويشرب الخمر ويطرب للغناء!
فقالت وكأنها تكمل حديثه بنفس لهجتها الساخرة: ويلعب بالدف بيد ولا يد عيوشة الدفافة، وينثر النكات كالدرر فيقتل من حوله ضحكا، وليس عجبا - بعد هذا كله - أن يرى في دكانه مثالا للجد والوقار ... فالجد جد واللهو لهو، وساعة لربك وساعة لقلبك.
يلعب بالدف بيد ولا يد عيوشة الدفافة! ... ينثر النكات فيقتل من حوله ضحكا! ... من عسى أن يكون هذا الرجل؟!
Bog aan la aqoon