فهرعتا إليها مذعورتين وهما تقولان: ماذا تقولين؟ ... لا تعيدي هذا القول ... ماذا جرى؟!
وجدت في فزع فتاتيها عزاء ولكنه كشأنه في مثل هذا الموقف فجر أشجانها، فقالت بصوت متهدج وهي تمانع دموعها: لم ينس شيئا ولم يعف (رددت هذا بأسى دل على عمق حزنها) ... كان يضمر لي الغضب ويؤجله ريثما أبرأ، ثم قال لي غادري بيتي بلا توان ... وقال لي أيضا: لا أحب أن أجدك هنا إذا عدت ظهرا (ثم بلهجة تنم عن عتاب أسيف وخيبة أمل) سمعا وطاعة ... سمعا وطاعة.
فصاحت خديجة بحال عصبية: لا أصدق، لا أصدق، قولي قولا آخر ... ماذا جرى للدنيا؟!
وصاحت عائشة بصوت متهدج: لن يكون هذا أبدا، أهانت عليه سعادتنا جميعا لهذا الحد؟!
وعادت خديجة تتساءل في حدة وحنق: ماذا يقصد ... ماذا يقصد يا نينة؟! - لا أدري، هذا قوله بلا زيادة ولا نقصان.
اكتفت أول وهلة بهذا القول، ولعلها رغبت بالاقتصار عليه أن تستزيد من عطفهما وتتعزى بجزعهما، ولكن غلبها الإشفاق من ناحية والرغبة في طمأنة نفسها من ناحية أخرى، فاستطردت قائلة: لا أظنه يقصد أكثر من إبعادي عنكم أياما عقابا لي على ما فرط مني.
فتساءلت عائشة محتجة: أما كفاه ما وقع لك؟!
فتنهدت الأم محزونة وغمغمت قائلة: الأمر لله ... يجب الآن أن أذهب.
ولكن خديجة اعترضت سبيلها وهي تقول بصوت مختنق بالبكاء: لن ندعك تذهبين، لا تتركي بيتك، فلا أظنه يصر على غضبه إذا عاد ووجدك بيننا.
وقالت عائشة برجاء: انتظري حتى يعود فهمي وياسين، ولن يرضى أبي أن ينتزعك من بيننا جميعا.
Bog aan la aqoon