وابتسم فهمي ممتعضا وقال: من أجل هذا دعوتك للمشاورة.
ففكرت المرأة قليلا ثم قالت وكأنها تخاطب نفسها: لا أدري ماذا يكون موقفه من هذا الرجاء؟ أبوك شخص غريب، غير الناس جميعا، وقد يرى جريمة فيما يراه الغير شيئا عاديا.
فقطب فهمي قائلا: ليس في الأمر ما يدعو إلى الغضب أو الاعتراض. - هذا رأيي! - وغني عن البيان أن الزواج سيؤجل حتى أتم دراستي وأجد لنفسي عملا. - طبعا ... طبعا. - فيم يكون الاعتراض إذن؟!
فنظرت إليه نظرة كأنما تقول له: «ومن ذا يحاسب أباك إذا أراد أن ينبذ المنطق جانبا؟» هي التي لم تعرف حياله إلا الطاعة العمياء أصاب أم أخطأ، عدل أم ظلم، بيد أنها قالت: أرجو أن يبارك رجاءك بالقبول.
فقال الشاب بحماس: لقد تزوج أبي وهو في سني هذه، ولست أقصد شيئا من هذا، ولكني سأنتظر حتى يكون الزواج طبيعيا لا اعتراض عليه من أي ناحية. - ربنا يحقق رجاءنا.
وسكنا إلى الصمت مليا وهما يتبادلان النظرات، مجتمعين في فكرة واحدة وهما عن بداهة يدريان إذ كان كلاهما يفهم صاحبه خير فهم، ويقرأ ما يدور بخاطره في غير ما عسر، ثم قال فهمي مفصحا عما يشغلهما معا: بقي أن نفكر فيمن يفاتحه بالموضوع!
وابتسمت المرأة ابتسامة أفقدها التفكير والقلق روحها، وأدركت أن ابنها الأريب يذكرها بالواجب الذي لا يستطيع أن يؤديه أحد سواها بالأسرة، ولم تعترض على هذا لأنه لا سبيل غيره، إلا أنها قبلته على كره كما تقبل أمورا كثيرة وهي تسأل الله حسن العاقبة، وقالت برقة وعطف: ومن غيري يفاتحه؟ ... ربنا معنا. - إني آسف ... لو كان بوسعي أن أحدثه لفعلت. - سأحدثه، وسيوافق بإذن الله، مريم فتاة جميلة، مؤدبة، من أسرة كريمة.
وسكتت لحظة ثم استدركت متسائلة كأنما خطر لها الخاطر لأول مرة: ولكن أليست هي في مثل سنك أو تزيد؟!
فقال الفتى جزعا: لا يهمني هذا بتاتا!
فقالت مبتسمة: على بركة الله، ربنا معنا ... (ثم وهي تنهض) أدعك الآن لعناية المولى، وإلى الغد ... ومالت نحوه فقبلته، ثم غادرت الحجرة وأغلقت الباب وراءها، ولكن كم أدهشها أن ترى كمال جالسا على الكنبة مكبا على كراسة بين يديه فهتفت به: ما الذي عاد بك إلى هنا؟
Bog aan la aqoon