فكتبت إليها كتابا مطولا، ووضعته في سفر، ودفعته إليها أمام أمها فأخذته وبعد ثلاثة أيام ردت إلي ذلك السفر وفيه هذا الكتاب:
حبيبي
ساءني أنك ترسل لي الكتب سرا، ولم ذلك إذا كنت عاشقا، فهل تخشى لومة لائم؟! أم لك ثمت مقاصد أخرى لا أعلمها؟! على أني لم أسئ بك الظن، ونسبت ذلك للظروف، قل لي متى عهد اجتماعنا أقريب يا ترى أم بعيد؟ وهل مدة هذا التعذيب طويلة؟ وهل تلك السعادة التي أراها في الحلم تتم عن قريب؟ إن عمي يحبك ويريد صالحك، فاطلبني منه فإنه لا يرفض طلبك.
وقد قلت في كتابك: إنك لم تنم غرارا منذ أسبوع، فأنا أقسم لك أنني لم أزل مسهدة الطرف منذ عرفتك، وهذا يدلني على أن عهدك بالغرام قريب، ولكن كيف كانت الحال، فإني أهواك ولا ألوي عن حبك ما دامت تجري في عروقي قطرة دم.
تقبلك بحرارة واشتياق حبيبتك
لويزا أسيرة هواك
فاضطرمت نيران الغرام بين جوانحي، وأقسمت أن أتجهم ريتا وأدوس قلبها وحبها، وأن أسقيها كأس النكال، إذا مكنتني من ذلك الأحوال، فجعلت أغلظ لها الكلام، وأسمعها أقوالا أفتك من السهام، وهي لا تزيد إلا هياما، ولا يزيدها الجفاء إلا اضطراما، حتى أوفت الدنيا على فصل الربيع، فحسبت أن مقاومة ريتا تنتهي مع فصل الشتاء؛ لتخلي في القلب مكانا لاستقبال الربيع، ولكن بئس الحسبان، فإن فصل غرامها كان في أوله.
وكتبت لي لويزا في هذا الغضون تعذلني على قلة مكاتبتي، وتنسب إلي قسوة القلب والسلوان فلم أجبها، وفي صباح الغد ذهبت إلى بيت فركنباك، فرأيت البارون والبارونة، وجونريت ولويزا مجتمعين معا كأن على رءوسهم الطير، كل ينظر إلى شيء ولا يفوه ببنت شفة، فعلمت أن عمي أرسل للبارون يسأله أن يفي بوعده، وقلت: اللهم هون العسير، فإنك على كل شيء قدير، وفي اليوم التالي وردني من لويزا كتاب هذا نصه:
حبيبي
أرى الكل يعبسون وجوههم بي من البارون إلى البارونة، إلى عمتي ولا أعلم لماذا؟ قد كان بالأمس ورد على عمي كتاب من افريه على ما أظن، فدفعه إلى عمتي فقرأته هذه، ثم قامت بغضب وذهبت معه إلى غرفة أخرى وتحدثا مليا، ولا جرم أن عمتي حالت دون مراد عمك، وإني لأعجب من ذلك مع ما أعهد لك عندها من المكانة والاعتبار، فماذا أصنع؟!
Bog aan la aqoon