U Dhexeeya Diinta iyo Cilmiga
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Noocyada
هذا العلم - كما يدعى علما من طريق الخطأ - حتى بعد أن نمته أكبر العقول التي ظهرت بين جدران الكنيسة، على الرغم من أنه علم «عقيم»، كان إلى هذا الحد غير ضار على الأقل، غير أنه كان في نظر اللاهوتيين ممن أقاموا أنفسهم حفظة على كنوز العلم الكنسي، وكانوا ينددون بأقل انحراف عن الفكرة الأصلية المقدسة، ذا خطر عظيم؛ فقد ظهر لهم أن هؤلاء إنما يذهبون بمذهب «الخلق البعدي»، بمقتضى الأسباب الثانوية إلى غايات كبيرة الخطر. لهذا تجد في بداية القرن السابع عشر أن اليسوعي الإسباني المعروف «شوارز»
Suarez
وهو لاهوتي ذو شهرة كبيرة، قد رفض هذه الفكرة، معلنا أن القديس أوغسطين «هرطوق»؛ لأنه أخذ بها وعضدها.
غير أنه لم يكن هناك من خطر على الفكرة القديمة حتى بعد أن بلغ الناس من التفكير هذا المبلغ؛ فإن الميول اللاهوتية الأساسية كانت من القوة بحيث مضى الناس بها مستمسكين.
وكان اللاهوت الإنجيلي لا ينفك عاملا على نسج شبكته السحرية يجر خيوطها من أمعائه الواسعة، فكان ذباب اللاهوت يعلق بها أينما صادفته وأينما صادفها. غير أنك ترى فوق ذلك أن من هنا ومن هناك حام من حول الشبكة مفكرون أقوياء الحجة ثابتو البديهة، استطاعوا أن يحلوا أنفسهم من أغلالها، بل حلوا معهم أغلال غيرهم ممن كانوا قد تساقطوا عليها.
في نهاية العصور الوسطى، وعلى الرغم من تشبث الكنيسة البروتستانتية بنص الكنيسة المقدسة، خلقت نهضة الآداب والسياحات البحرية جوا جديدا انتعش فيه الفكر وتقدم خطوات واسعة من حيث النظر في مشكلات الطبيعة، فكان أقوم سبيلا وأثبت قيلا. فأينما وليت وجهك وحيثما أدرت عينيك، بل وفي كل مجال، كنت ترى رجالات أفذاذا قد وقفوا على مستكشفات كان من شأنها أن تظهر المذاهب اللاهوتية، أقل مسايرة للحقائق وأشد مناهضة للواقع المحسوس.
إن أول ما يجدر بنا ذكره من أولئك الذين يجب أن نخصهم بالاحترام والتبجيل، كمثال لتلك الفئة التي أخذت تحيي تيار الفكرة الإغريقية، تلك الفكرة الفذة التي خلخلتها وصدعت أركانها أساليب العلم التي استمدها من كتبنا المقدسة آباء الكنيسة خلال ألف كاملة من السنين، هو ذلك الجهبذ النادر «جيوردانو برونو»
Giordano Bruno
إن أقواله كانت ولا شك غامضة مبهمة، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها كانت ملغزة إلغازا. غير أن هذا يمكن أن نتسامح فيه؛ لأنه بلا ريب كان يرى عن كثب ما سوف يكافأ به إن هو أعلن ما أضمر، وصارح بما أسر في نفسه. غير أن هذا لم يفده شيئا، فنال على يد الكنيسة عقابه الأكبر، تلقاء أقواله المبهمة الملغوزة المشحونة بالأخطاء العلمية، فأحرق حيا وذريت مع الريح بقاياه الترابية. على أنه جوزي في نهاية القرن التاسع عشر خير الجزاء؛ إذ اجتمع لفيف من أكبر مفكري الأرض وأجمعوا أمرهم على أن يقيموا له تمثالا ينصب حيث أقيمت المحرقة التي أحرق عليها بأمر مجلس التفتيش الروماني، بعد أن مضى على ذلك زهاء ثلاثة قرون كاملة.
بعد موت «جيوردانو برونو» وفي خلال النصف الأول من القرن السابع عشر، ظهر «ديكارت» ليرفع راية الإمامة في مجال الفكر الإنساني. فإن نظرياته - ولو أنها نقضت الآن - قد حفزت العقول إلى البحث والاختبار بالمشاهدة إذ ذاك. فإن نبوغه قد ظهر في أجلى مظاهره بتلك النظرية التطورية الميكانيكية التي وضعها في تكوين النظام الشمسي، كما كان أسلوبه التفكيري سببا في أن يقوى تيار المذهب التطوري - النشوئي - على وجه عام. غير أن الاضطهاد المستمر الذي ناله من الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية على السواء، جعله يلغز أفكاره ألغازا، بل حمله على أن يترك أكثرها جائلا في ثنايا نفسه من غير أن يجرؤ على المصارحة به. ولقد أحرق «برونو» عندما كان «ديكارت» في طول الطفولة، ولما بلغ مبالغ الرجولة تعقب بانتباه معركة غاليليو، وتتبع حوادثها جملة وتفصيلا. ولقد رأى مؤلفاته تلعنها الجامعات واحدة تلو أخرى تحت تأثير اللاهوتيين، بل رآها تضم إلى الفهرست الروماني. وعلى الرغم من أنه زود الفكر الإنساني ببراهين قوية يثبت من طريقها وجود الله، واضطر أن يمتهن نفسه إزاء اليسوعيين، فإنه لم يسلم من اتهام الكاثوليك والبروتستانت على السواء. حتى إنه من الحق أن نقول إنه منذ عصر «روجر باكون»
Bog aan la aqoon