U Dhexeeya Diinta iyo Cilmiga
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Noocyada
ورأينا أيضا أن هذه الفكرة قد ورثت منذ أزمان بعيدة، وأنها كانت إحدى المعتقدات الشائعة في المدنيات الكلدانية البابلية ومدنية مصر القديمة، وأنها ربما كانت موجودة في مدنيات أولى يفصلها عن زماننا هذا أبعد عهد يمكن أن يقدره التاريخ المعروف. وعرفنا أن صور هذه المعتقدات قد انتقلت إلى كتب اليهود المقدسة؛ ومن ثم إلى الكنائس النصرانية الأولى، التي عمل لاهوتيوها على تنمية هذه المعتقدات خلال العصور الوسطى، واحتفظوا بها خلال العصور الحديثة.
غير أن هذه النظرية بينما كانت تنمو وتتطور بجهد سلسلة من عظماء الرجال الذين اتصفوا برجاحة العقل ونبل المقصد على طول آلاف كثيرة من السنين، نشأ بجانبها تصور آخر كان يناوئ هذه النظرية حينا أو يختلط بها حينا آخر. ذلك هو تصور أن الكائنات الحية، كليا أو جزئيا، هي نتيجة نظام يبعث على النماء والتغاير، أو بالأحرى فكرة في تطور الأحياء.
وهذه الفكرة قد تطورت في صور مختلفة جد الاختلاف، وكانت ذات أثر كبير واضح في كل الصور اللاهوتية والفلسفية التي نشأت خلال المدنيات القديمة على وجه التقريب. فإنك تجد أنه قد انتشرت بين كل الشعوب القديمة، التي امتازت بقوة الفكر والتأمل، فكرة أنه مطاوعة لحكم قوة قدسية، قد برزت الأرض من العماء الذي كان سداه مياها متلاطمة، وأن الأرض والبحر بدورهما قد ولدا الأحياء التي تغشاهما.
وتظهر هذه الفكرة بوضوح من الآثار الكلدانية البابلية التي قرئت معمياتها في العهد الأخير. وقد أشرنا إليها من قبل. وفيها نجد آثار عماء سداه المياه التي بلا نهاية، وأن هذه المياه تحت تأثير قوة قدسية قد أنشأت الأرض وأحياءها وكانت حيوانات الماء أسبق بالظهور على حيوانات الأرض التي تلت تلك في الظهور، وأن هذه كانت منقسمة إلى ثلاثة أقسام كبرى، على نفس الطريقة التي قسمت بها حيوانات الأرض في الآثار العبرانية. ونجد فوق هذا أن «الخالق الكلداني» قد أعلن في عدة مواضع من قصة الخلق المنسوبة إليه أن خلقه «جميل» على نفس النمط الذي يصف به «الخالق العبراني» خلقه إذ يصفه بأنه «حسن».
وفي كلتا الروايتين - الكلدانية والعبرانية - تجد قبة زرقاء صلبة القوام مقعرة الشكل. وفي كلتيهما تجد أن النور خلق أولا، وأنه بعد ذلك علقت الأجرام السماوية لتؤدي الإشارات القدسية وتشير إلى الفصول السنوية، وفيها تجد أن العدد «سبعة» قد خص بالقداسة على صورة خاصة، وأن تقديس هذا العدد قد أدى إلى تكوين أقسام مقدسة في الوقت وفي غيره من الاعتبارات الإنسانية.
أضف إلى ذلك أنه فضلا عما نجده في القصة العبرانية من الصور الذهنية التي تتفق والأساطير الكلدانية، فإن قصة الخلق في كليهما - أي العبرانية والكلدانية - قد عقب عليهما بأسطورة في «هبوط الإنسان» وفي «الطوفان»، تلك الأشياء التي نجد أن كثيرا من تفاصيلها قد نقلت من الكلدانية إلى العبرانية بصورة قد حورت بعض التحوير.
ولا جرم كانت تصبح معجزة حقيقية لو أن هذه التصورات الأولية التي صبت في ذلك القالب الشعري القوي خلال تلك المدنيات القديمة والتي نشأت على ضفاف الدجلة والفرات، لم يتأثر بها العبرانيون على مدى تلك العصور التي خضعوا فيها لجيرانهم الكلدانيين، وعلى الأخص إذا تذكرنا أنهم كانوا في ذلك العهد قد خطوا في التدرج والارتقاء خطوات طويلة ثابتة. ومنذ أن برزت إلى الوجود أبحاث لايارد وجورج سميث وأوبرت وشاردر وجنسن وسايس والذين عاونوهم في تلك الأبحاث الطويلة، لم يبق مجال للشك في أن هذا التصور القديم في حقيقة الكون - والذي يمكن أن يكون قد تحور إن لم يكن قد نشأ في طيات تلك المدنيات القديمة - قد أصبح للعبرانيين ميراثا، فأخذوه ثم صبوه في صورة توحيدية مخلخلة الاتصال، ثم أسبغوا عليه ثوبا شعريا جعله كلا، هو لدى الواقع كنز من أثمن الكنوز التي وصلت إلينا من مخلفات «الفكر القديم» حفظ بين دفتي سفر التكوين.
وبينما كانت الفكرة في إبراز خلق مادي مصنوع بيد خالق وأصابعه أو صوته مبدأ لتكوين مذهب لاهوتي بالغ التأثير، وبينما كان تيار هذا المذهب يندفق من جيل إلى جيل مستمدا خلال كل جيل قوة من مجهودات آباء الكنيسة ودكاترة اللاهوت وقديسي الكنائس المبرزين في علوم الدين، كاثوليك وبروتستانت، أخذ نهر ضئيل من نهيرات الفكر الإنساني ينساب بقوة قد تخفى حينا، وقد نستبينها أحيانا، ناقلا في طيات الفكر جيلا بعد جيل، فكرة في أسلوب من النشوء حاول أن يعلل بها الكون والمخلوقات.
أما المحترم الأستاذ سايس
Rev. Prof. Sayce
Bog aan la aqoon