U Dhexeeya Diinta iyo Cilmiga
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Noocyada
لقد زود هؤلاء الخمسة العظماء العالم بوحي قدسي جديد. أما نيوتن فقد أبدع تصورا نبيلا قدر له أن يكون سهما مسددا يصوب إلى قوام النظرية القديمة في حقيقة الخلق، بأن أثبت أن نواحي الكون يحكمها قانون شامل ثابت القواعد، بدلا من قواسر إرادة واحدة تمثل في ذات كلية القدرة، أما اضطهاد عالم اللاهوت، للأربعة الأول من حلقات هذه السلسلة فأمر معروف ذائعة حقائقه، ولكن حقيقة أن «نيوتن» قد اضطهد وعوجل بالعدوان على الرغم من الروح الدينية الحساسة التي كانت تملأ جوانحه، فحقيقة قليلا ما عرفت، وبكثير من الشدة والصرامة في القول وجه إليه من الانتقادات إزاء أفكاره التي بشر بها في حقيقة قانون الجاذبية نقد محصله «أنه انتزع من الله التأثير المباشر في خلقه وعمله الكوني، ذلك التأثير الذي تنسبه إليه الكتب المقدسة، وبدله بقوة مادية ميكانيكية»، وأنه «أبدل العناية الإلهية بالجاذبية» على أنه فضلا عن العمل المباشر الذي قام به هؤلاء الرجال، فإنهم مهدوا السبيل ووضعوا القواعد التي قامت عليها نظرية النشوء، ناقضة لنظرية الخلق.
ومما لا يجب أن نغفل عن ذكره أن «رينيه ديكارت»
Descartes
على الرغم مما أحاط بكثير من استنتاجاته من الأغلاط، وعلى الرغم مما كان في زمانه من تأخر الفوسيقى وضعف المعرفة بكثير من مبادئها، قد أثر عمله العظيم الذي قام به تأثيرا كبيرا في إضعاف التصور القديم؛ فإن نظريته في الكون على اعتبار أنه نتاج تفاعل مادة شاملة نواحيه تضبطها في نظام محبوك الأطراف حركات خاضعة لنواميس طبيعية، لم تكن سوى فرض نظري صرف، قد أثرت في العقول تأثيرا حرفها عن التصور اللاهوتي القديم في خلق العالم، لقد كانت نظرية «ديكارت» مثالا من الكد الذهني؛ إذ يوصل إلى خطأ لا إلى صواب، ولكنه في الوقت ذاته يمهد الطريق لظهور الحق الخالد، وعلى الرغم من أن «ديكارت» كان في ذلك الزمان مقيدا بمخاوفه من الكنيسة مغلول اليد بتهديداتها، فإن ذلك الجزء من مؤلفاته - وهو الذي تناول فيه تكوين العالم - لم يكن بضعيف الأثر في توجيه العقل الإنساني في ذلك المتجه الذي أدى إلى تقبل فكرات فاض بها على العالم مفكرون أقل منه خوفا وأصلب عودا.
بعد هذا العهد بثلاثين عاما ظهر في إنجلترا جهد جديد، إن اختلف عن جهد «ديكارت» في ماهيته، فإنه يتفق وإياه في النتائج. ففي سنة 1687 نشر «رالف كادورث»
Ralph Cudworth
كتابه «نظام الكون العقلي» ولا ريبة في أن هذا الباحث يعتبر إلى الآن من حيث سعة العقل والاستعماق في الدرس وقوة التفكير والتسامح والأمانة، من أكبر مفاخر الكنيسة الإنجليزية، وكان كتابه جديرا بأن يصدر عن مجموع هذه الصفات معا، وكان غرضه من هذا الكتاب أن يبني قلعة تحتمي وراءها النصرانية من غوائل كل الخطرة المهدمة التي ذاعت لعهده في أصل الكون قديما وحديثا . أما الأساس الذي قامت عليه هذه القلعة الحصينة فقد بني من فكرات قديمة صبت في صور حديثة أخاذة بالألباب. غير أن البناء العلوي كان كلما أخذ في الظهور للأنظار شيئا فشيئا، ظهرت فيه مخايل كانت لا بد من أن تثير في نفوس الغارقين في بحار الأورثوذكسية هواجس وريبا، ولو أن النبوغ والعبقرية قد تركا آثارهما الخالدة في كل جزء من أجزاء ذلك البناء المشمخر، فلقد رفض تلك النظريات القديمة التي كانت توحي إلى الناس بفكرة أن الله الواحد القهار قد صنع الكون بجهد ذاته وشخصه، ومضى قانعا بنظرية النواميس الطبيعية وأثرها، وأنحى على القول بتواتر وقوع المعجزات وتدخلها في شئون هذا العالم، وأشار إلى حقيقة أن في طبيعة الخلق «أغلاطا» و«مخارق»، ودلل بأقصى ما فيه من قوة على حقيقة أن الأصل في تكوين العالم وحفظه على هذا النظام، يرجع إلى أسلوب في النشوء التدرجي، وأن هذا الأسلوب يخضع لنواميس ثابتة منبثة في تضاعيف الطبيعة.
في أواخر القرن التالي ظهر في أفق البحث نابغة مفوق هو «عمانوئيل كانت»، وكان من بواكيره أن عكف على الرأي السديمي يقوي من دعائمه معتمدا على ما كشف نيوتن من نواميس الطبيعة وما وضع من نظريات؛ فأيد ذلك الرأي بما ثبته وجعله أشد استقرارا عن ذي قبل، وفي الوقت نفسه ظهر «لابلاس» فعضد ذلك الرأي بمبادئ رياضة بلغت أقصى حدود القوة والتأثير، حتى لقد غرس في الفكر الحديث فكرة أن نظامنا الشمسي وغيره - بما فيها من الشموس والسيارات والأقمار وحركاتها المختلفة وأبعادها وأقدارها - تنتج بالضرورة من خضوع الكتل السديمية لقوانين طبيعية ثابتة.
هنا علت الصيحة من جانب اللاهوتيين في وجه «الإلحاد»، وأعلنت الحرب صراخا واندلعت ألسنتها النيرانية، غير أن العلامة «هرشل» قد كشف مع غيره من الفلكيين عن كثير من البقع السديمية التي تدل ظواهرها على أنها من طبيعة غازية، بل أظهروا بكثير من البراهين الطبيعية والرياضية أن النظرية السديمة تعلل قسما عظيما من الحقائق الكونية، وكانوا على الرغم من الضجيج والإرعاد يذللون كل عقبة ويجنون كل يوم ثمرة، حتى إذا ما بلغ التلسكوب من حسن التركيب مبلغا جعله أكثر رقيا، وأضبط كشفا، حققوا أن تلك البقع المكونة من المادة السديمية ما هي إلا عديد وافر من النجيمات المتقاربة الأبعاد، على مناهضي الرأي السديمي لم يلبثوا إلا قليلا حتى أخذوا بهزات الفرح والسرور وبهروا بها، بل بدءوا يرتلون أناشيد الابتهاج بعلم الفلك؛ لأنه - كما كانوا يقولون - قد أثبت حقائق الكتب المقدسة بالبراهين القاطعة، وسرعان ما وصلوا إلى نتيجة هي عند قولهم بأن كل السدم لا بد من أن تكون متماثلة، وأنه إذا كان بعض السدم مكون لدى الحقيقة من كوكبات من النجيمات، فإن كل السدم لا بد من أن تكون كذلك، ولا يمكن أن يكون بعضها عبارة عن ركام من المادة الغازية؛ لأن بعضها ليس من هذه الطبيعة.
هنا وقفت خطا العلم قليلا؛ فإن المذهب الذي ساد إذ ذاك كان يتلخص في القول بأن السبب في أن كل السدم لا تظهر في صورة نجيمات مستقل بعضها عن بعض، إنما يرجع إلى أن قوة التلسكوب لم تكن كافية للكشف عن حقيقتها، على أن الزمان كفيل بإظهار الحق؛ فإن الحق رد في نصابه سريعا باستكشاف الاسبكتروسكوب وطريقة الحل الطيفي ثم باستكشاف «فرونهوفر»
Bog aan la aqoon