بيان المحجة في الرد على اللجة الفضل بحمد الله في القرن الثاني عشر، فقام الداعي بها يدعو الناس إلى ما دعت إليه الرسل من إفراد الله بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، وإقامة الفرائض والعمل بالواجبات، والنهي عن مُوَاقَعَة المُحَرَّمَات. وظهر فيها الإسلام أعظم من ظهوره في غيرها في هذه الأزمان، ولولا ذلك ما سَبَّ هؤلاء نجدا واليمامة بمسيلمة؛ إذا عرف ذلك، فليعلم أن مسيلمة وبني حنيفة إنما كفروا بجحودهم بعض آية من كتاب الله جهلا أو عنادا، وهذا المعترض وأمثاله جحدوا حقيقة ما بعث الله به رسله من التوحيد الذي دلت عليه الآيات المحكمات التي تفوت الحصر، وعصوا رسول الله ﷺ بارتكاب ما نهى عنه من الغلو والشرك، فَجَوَّزُوا أن يُدْعَى مع الله غيره؛ وقد نهى الله ورسوله عن ذلك في أكثر سور القرآن. وَجَوَّزُوا أن يُسْتَعَان بغير الله، وقد نهى الله ورسوله عن ذلك وجوَّزُوا الالتجاء إلى الغائبين والأموات والرغبة إليهم، وقد نهى الله ورسوله عن ذلك أشد النهي. وجعلوا لله شريكا في ملكه وربوبيته كما جعلوا له شريكا في إلهيته، وجعلوا له شريكا في إحاطة العلم بالمعلومات كلياتها وجزئياتها. وقد قال -تعالى- مبينا لما اختص به من شمول علمه: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ ١ إلى قوله: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ ٢ الآيات. فشو الشرك المخالف لفاتحة الكتاب وسورة الناس وهذه الأصول كلها في الفاتحة، يبين تعالى أنه هو المختص بذلك، دون كل من سواه: ففي قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ٣ اختصاص لله بالحمد لكماله في ربوبيته وإلهيته وملكه وشمول علمه وقدرته، وكماله في ذاته وصفاته. ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ٤ هو ربهم وخالقهم ورازقهم ومليكهم، والمتصرف فيهم بحكمته ومشيئته ليس ذلك إلا له. ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ٥ فيه تفرده بالملك كقوله: ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ ٦، وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ _________ ١ سورة الرعد آية:٨، ٩. ٢ سورة الرعد آية: ١٤. ٣ سورة الفاتحة آية: ٢. ٤ سورة الفاتحة آية: ٢. ٥ سورة الفاتحة آية: ٤. ٦ سورة الانفطار آية: ١٩.

1 / 166

وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ١ فيه قَصْرُ العبادة عليه -تعالى- بجميع أفرادها، وكذلك الاستعانة. وفي ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٢ أيضا توحيد الربوبية. وهذه الأصول أيضا في: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ٣ فهو ربهم ورازقهم، والمتصرف فيهم، والمدبر لهم: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ ٤ هو الذي له الملك كما في الحديث الوارد في الأذكار "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" ٥. وقوله: ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ ٦ هو مَأْلُوهُهُمْ ومَعْبُودُهم، لا معبود لهم سواه، فأهل الإيمان خَصُّوهُ بالإلهية، وأهل الشرك جعلوا له شريكا يَأْلَهُونَهُ بالعبادة كالدعاء والاستعانة والاستغاثة والالتجاء والرغبة والتعلق عليه، ونحو ذلك. وفي: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ٧ براءة النبي ﷺ من الشرك والمشركين. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ ٨ إلى قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ ٩ فهذا هو التوحيد العملي، وأساسه البراءة من الشرك والمشركين باطنا وظاهرا، وفي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ١٠ توحيد العلم والعمل. ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ١١ يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير، ولا نِدَّ، ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ في الإثبات إلا على الله ﷿؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله. وقوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ١٢ قال عكرمة عن ابن عباس: يعني الذي يَصْمُدُ الخلائقُ إليه في حوائجهم ومسائلهم. (قلت): وفيه توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية. وقال الأعمش عن شقيق أبي وائل: ﴿الصَّمَدُ﴾ السيد الذي قد انتهى سُؤْدُدُهُ، وقال الحسن أيضا: ﴿الصَّمَدُ﴾ الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد ولم يولد، كأنه جعل ما بعده تفسيرا له، وقال سفيان عن منصور عن مجاهد: ﴿الصَّمَدُ﴾ المُصْمَتُ الذي لا جوف له، قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: وكُلُّ هذه صحيحةٌ، وهي صفات ربنا ﷿. _________ ١ سورة الفاتحة آية: ٥. ٢ سورة الفاتحة آية: ٥. ٣ سورة الناس آية: ١. ٤ سورة الناس آية: ٢. ٥ البخاري: الأذان (٨٤٤)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٩٣)، والنسائي: السهو (١٣٤١،١٣٤٢،١٣٤٣)، وأبو داود: الصلاة (١٥٠٥)، وأحمد (٤/٢٤٧،٤/٢٥٠،٤/٢٥١)، والدارمي: الصلاة (١٣٤٩) . ٦ سورة الناس آية: ٣. ٧ سورة الكافرون آية: ١. ٨ سورة الكافرون آية:١، ٢. ٩ سورة الكافرون آية: ٦. ١٠ سورة الإخلاص آية: ١. ١١ سورة الإخلاص آية: ١. ١٢ سورة الإخلاص آية: ٢.

1 / 167

نفي ما في البردة من شرك نشأ عن جهل وفساد تصور بسم الله الرحمن الر حيم قال شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله لهم الأجر والثواب، وأدخلهم الجنة بغير حساب ولا عذاب: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا﴾ ١. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي قال الله تعالى خطابا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ ٢. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه، من أذهب الله عنهم الرجس، وطهَّرهم تطهيرا. أما بعد: فإني وقفت على جواب للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين، وقد سئل عن أبيات من البردة، وما فيها من الغلو والشرك العظيم المضاهي لشرك النصارى ونحوهم ممن صرف خصائص الربوبية والإلهية لغير الله تعالى، كما هو صريح الأبيات المذكورة في البردة، لا يخفى على مَنْ عرف دين الإسلام أنه الشرك الأكبر الذي بعث الله رسله، وأنزل كتبه بالنهي عنه، وبيَّن أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وأن الجنة عليه حرام. _________ ١ سورة الفرقان آية:٢، ٣. ٢ سورة الأحزاب آية:٤٥، ٤٦.

1 / 224

وذكر الشيخ ﵀ في جوابه: أن الأبيات المذكورة تضمَّنت الشرك، وصرف خصائص الربوبية والإلهية لغير الله، فاعترض عليه جاهل ضالٌّ فقال مبرئا لصاحب الأبيات من ذلك الشرك بقوله: حماه الله من ذلك، ويكفيه في نفي هذه الشناعة قوله أول المنظومة: دع ما ادعته النصارى في نبيهم البيت المطابق لقول النبي ﷺ: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم" ١. (الجواب): أن هذه التبرئة إنما نشأت عن الجهل وفساد التصور، فلو عرف الناظم وهذا المعترض ومن سلك سبيلهما حق الله على عباده، وما اختصَّ به من ربوبيته وإلهيته، وعرفوا معنى كلام الله وكلام رسوله ﷺ لَمَا قالوا ما قالوا هم وأمثالهم ممن جهل التوحيد، كما قال تعالى في حق من هذا وصفه: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ ٢. فالجهل بما بعث الله به رسله قد عمَّ كثيرا من هذه الأمة، وظهر فيها ما أخبر به النبي ﷺ بقوله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ " ٣ ونحو هذا من الأحاديث. وقوله: ويكفيه في نفي هذه الشناعة قوله أول المنظومة: ..........البيت دع ما ادعته النصارى في نبيهم (الجواب): أن هذا يزيده شناعة ومقتا؛ لأن هذا تناقض منه بيِّن، وبرهان على أنه لا يعلم ما يقول، فلقد وقع فيما وقعت فيه النصارى من الغلو العظيم الذي نهى الله عنه ورسوله، ولعن النبي ﷺ من فعله، أو فعل ما يوصل إليه بقوله: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر ما صنعوا"٤ وقال: _________ ١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، وأحمد (١/٢٣،١/٢٤،١/٤٧) . ٢ سورة الأنعام آية: ١١٩. ٣ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٥٦)، ومسلم: العلم (٢٦٦٩)، وأحمد (٣/٨٤،٣/٨٩،٣/٩٤) . ٤ البخاري: الصلاة (٤٣٦)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١)، والنسائي: المساجد (٧٠٣)، وأحمد (١/٢١٨،٦/٣٤،٦/٨٠،٦/١٢١،٦/٢٥٥)، والدارمي: الصلاة (١٤٠٣) .

1 / 225

"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله"١، وقوله لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: "أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده"٢ وقال: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله ﷿". فلقد حذر أمته ﷺ وأنذرهم عن الشرك ووسائله، وما دقَّ منه وجلَّ، ودعا الناس إلى التوحيد ونهاهم عن الشرك، وجاهدهم على ذلك، حتى أزال الله به الشرك والأوثان من جميع الجزيرة وما حولها من نواحي الشام واليمن وغير ذلك. وقد بعث السرايا في هدم الأوثان وإزالتها، كما هو مذكور في كتب الحديث والتفسير والسير، كما في حديث أبي الهياج الأسدي الذي في الصحيح، قال: قال علي بن أبي طالب ﵁ "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ؟ أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته"٣. وقد بعثه النبي ﷺ يوم الفتح لهدم (مناة) وبعث خالد بن الوليد يومئذ لهدم بيت العزى، وقطع السمرات التي كانت تعبدها قريش وهذيل، وبعث المغيرة بن شعبة لهدم اللات فهدمها، وأزال عن جزيرة العرب وما حولها جميع الأصنام والأوثان التي كانت تعبد من دون الله. والصحابة ﵃ تعاهدوا هذا الأمر واعتنو بإزالته أعظم الاعتناء بعد وفاة رسول الله ﷺ، وقد أخبر النبي ﷺ بما يقع في أمته من الاختلاف، كما في حديث العرباض بن سارية قال: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا" ٤ الحديث، فوقع ما أخبر به ﷺ، وعظم الاختلاف في أصل الدين بعد القرون المفضلة كما هو معلوم عند العلماء، ولو أخذنا نذكر ذلك أو بعضه لخرج بنا عن المقصود من الاختصار. هدم الإسلام للشرك ثم عودته إلى المسلمين وفشوه فيهم فانظر إلى ما وقع اليوم من البناء على القبور والمشاهد وعبادتها، فلقد عمَّت هذه البلية كثيرا من البلاد، ووقع ما وقع من الشرك وسوء الاعتقاد في أناس _________ ١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، وأحمد (١/٢٣،١/٢٤،١/٤٧) . ٢ أحمد (١/٢١٤) . ٣ مسلم: الجنائز (٩٦٩)، والترمذي: الجنائز (١٠٤٩)، والنسائي: الجنائز (٢٠٣١)، وأبو داود: الجنائز (٣٢١٨)، وأحمد (١/٩٦،١/١٢٨،١/١٤٥،١/١٥٠) . ٤ الترمذي: العلم (٢٦٧٦)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٧)، وابن ماجه: المقدمة (٤٤)، وأحمد (٤/١٢٦)، والدارمي: المقدمة (٩٥) .

1 / 226

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.