Halyeeyga Guuleysta Ibrahim iyo Qabsashadiisa Shaam 1832
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Noocyada
هذا هو المجهود الذي بذله إبراهيم باشا لتعمير سوريا وتحضير البدو، وتلك هي النتائج الباهرة التي وصل إليها في سنين قليلة. وقد عرفنا من الوجهة السياسية أن اتفاق كوتاهيه كان هدنة فقط، وأن سياسة إنكلترا نحو مصر تغيرت كل التغيير بعدما استخلصت تركيا من نفوذ الروس لنفسها ولنفوذها، فصار همها هدم محمد علي ونفوذه، كما يستدل من نص التعليمات التي أصدرها اللورد بالمرستون إلى القنصل الإنكليزي في حلب بأن يثير ثائرة الأهالي على محمد علي، وبأن ينشر دعاية السلطان محمود. وقد حدث اللورد بونسوبي سفير إنكلترا في الآستانة في سنة 1834 البارون ستومر سفير النمسا عن محمد علي، فقال:
أما الآن فإني لا أخشى محمد علي؛ لأنه فوت الفرصة الوحيدة التي عنت له، وكان باستطاعته أن يلعب دورا في منتهى الأهمية، وأن يجعل نفسه رجلا هائلا. وهذه الفرصة التي فاتته لن تعود ولن ترجع ثانية، فقد كان عليه أن يأتي هو ذاته على رأس جيشه إلى إستامبول لا أن يرسل ابنه إبراهيم، ولو أنه فعل لعزل السلطان ولجلس على عرشه إذا هو أراد. وقد كان كل شيء معدا كما تعلم أنت وأعرف أنا؛ لأن السخط على السلطان كان عاما وجميع الأنظار والآمال تتجه إلى محمد علي، وبما أنه لم يجد في نفسه القوة للانتفاع من افتراض كهذا، كانت جميع دلائله في جانبه، فلم يبق أمامنا شيء نخشاه.
وكان يضاعف في سخط بالمرستون على محمد علي أنه يكاد يؤلف إمبراطورية من آسيا وأفريقيا، وهذه الإمبراطورية إذا تركت وشأنها، فإنها تكون أكبر حاجز في وجه التجارة الأوروبية والإنكليزية على وجه التخصيص؛ لأن الأرقام دلت - على ما جاء في تقرير قنصل إنكلترا - أن الصادرات من مصر إلى إنكلترا زادت زيادة كبيرة على الواردات من إنكلترا إلى مصر وسوريا، وهذه الحالة في تزايد متواصل.
وإذا أردنا أن نعرف سبب الفتن والثورات في سوريا عدنا إلى أقوال قناصل الدول ذاتهم قبل العودة إلى الوثائق المصرية. فبعد فتنة نابلس أرسلت إنكلترا قنصلها في الإسكندرية إلى فلسطين للتحقيق عن أسباب هذه الفتنة، فكتب يقول إن الثوار هم في الأصل الترك من جبال نابلس بزعامة الشيخ عيسى بن عمر، وأهل جبال القدس بقيادة إبراهيم أبو غوش، انضم إليهم أربعة آلاف من عرب عنزه؛ لأن إبراهيم أبو غوش الذي سجن إبراهيم والده في عكا زوج بنت أمير عنزه، وسبب سجن أبو غوش هو أنه ظل يطلب الإتاوة من أديرة الرهبان في القدس رغم تحريم ذلك، ولم ينقطع عن سلب الحجاج ونهبهم. ومنع إبراهيم البدو من التعدي على أملاك الحضر، وعزل الموظفين الترك، وكانوا جيشا جرارا، وعين لهم الرواتب التي تكفيهم، فحدث أن شابا تركيا ذهب من يافا إلى نابلس حيث صنع صليبا من الخشب، وصعد إلى مأذنة الجامع الكبير في نابلس وبيده ذلك الصليب، فأخذ يصيح من فوق المأذنة: هل ذهب دين محمد وانقضى؟ هل ارتفع الصليب على الهلال؟ من كان منكم مسلما فليقاتل هذا النصراني إبراهيم باشا.
ويقول الكولونيل كامبل إن في ذلك أكبر شهادة لإبراهيم؛ لأنه حرم النهب والسلب وحمى اليهود والنصارى مما كانوا يلقون من الاضطهاد، وبسط ظل الأمن في البادية.
وأرسلت روسيا قنصلها دي هامل إلى سوريا للغرض ذاته، فقابل هذا القنصل الأمير بشير الشهابي وسأله عن سبب الفتنة، فقال له الأمير: «إن الباشوات الذين كانت ترسلهم إلينا تركيا لم يكونوا حكاما وولاة، ولكنهم كانوا مدمرين هدامين لهذه البلاد، وإذا أردت برهانا فانظر إلى هذه السهول الخصبة التي ما كان يزرعها أحد ولا يسكنها أحد، وانظر إلى هذه القرى وكان قد هجرها أهلها وسكانها؛ فإبراهيم باشا يبذل الجهد ليملأ هذه القرى بالسكان من عرب البادية ، ومنذ بسطت حكومة مصر يدها على هذه البلاد تغيرت الحال وبدأ اليسر، ولولا التجنيد الإجباري لاستطعنا أن نقول إن البلاد في غبطة وسعادة تامين.»
ولقد عرف محمد علي أن الشر أيضا في مسلك الموظفين مع الأهالي، بدليل الحديث الذي نقله عنه قنصل إنكلترا؛ إذ قال له: «إني أعرف أن الشر آت من جهتين: جهل الأهالي، وشراسة الموظفين. وإذا عدت إلى التاريخ وجدت أن الأمم الأوروبية لم تخل من هذا العيب، ولكن هذا العيب ضوعف بأعمال السخرة لإقامة الحصون والمعاقل ومطاردة الشبان في المنازل والقرى وفي كل جهة.»
وهذا التجنيد، مضاعفا بالأسباب الأخرى والسياسة المعروفة، كان سبب الثورة الدرزية في حوران في سنة 1837؛ فإن إبراهيم باشا دعا الحكام والولاة إلى اجتماع عقدوه في عكا، وأبلغهم أوامره بإجراء التجنيد العام على قاعدة أخذ رجل واحد من كل عشرة رجال، وأرسل شريف باشا إلى شيخ مشايخ الدروز يحيى حمدان، فلما حضر إليه مع الوجوه طلب منه 170 شابا للجندية، فاعتذر الشيخ عن ذلك، وحاول إقناع شريف باشا بأن الشبان الدروز في حوران يدافعون عن بلادهم من اعتداء البدو، فما كان من هذا - على ما روى الدكتور غاليارود - إلا أن عبث بلحية الشيخ مهددا، فقال له الشيخ: أنا ذاهب، وسأحضر إليك بعدد من الرجال أكبر مما طلبت.
ولما عاد الشيخ وأصحابه إلى حوران، عقدوا جمعيتهم واتفقوا على الانتقام لشيخ مشايخهم عن هذه الإهانة، وأرسلوا الرسل إلى عرب السلوط لمحالفتهم، وبدأ العدوان بأن نهبوا أملاك شريف باشا والي دمشق وبحري بك مدير مالية سوريا، فوجه إليهم شريف باشا قوة من 400 جندي، فاجتمع قائد القوة بكبارهم في قرية النعلة، فوعد الدروز بإعادة ما سلبوه وبتقديم المجندين في مدى عشرة أيام، ولكنهم انقضوا في الليل على تلك القوة فأفنوها، ولم ينج منها إلا ثلاثون جنديا. وكان الدروز قد انسحبوا من الحضر إلى اللجاه والوعر، واللجاه وعر بركاني كثير التجاويف والمنعرجات، لا يستطيع السائر أن يخطو فيه خطوة واحدة دون دليل، فوجه إبراهيم باشا حملة كبيرة بقيادة محمد باشا مفتش الجهادية، فاستدرج الدروز الحملة إلى داخل اللجاه، حتى إذا ما دخلت الوعر طلع عليها الدروز من مكامنهم الخفية فقتلوا محمود باشا وبعض القواد، ومزقوا القوة وغنموا ما معها.
فذهب شريف باشا وجمع شتات الحملة، وطلب إبراهيم باشا من والده إرسال أحمد باشا المنيكلي لتولي رياسة الحملة لانهماكه هو باتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الترك الذين كانوا يتأهبون على الحدود. فدخل أحمد باشا اللجاه للبحث عن الدروز، فظهر أمامه بعض طلائعهم، فأمر باقتفاء أثرهم، فاستدرجوه إلى الوعر، فخدع كما خدع محمد باشا، وكان نصيب جيشه نصيب جيش محمد باشا.
Bog aan la aqoon