Halyeeyga Guuleysta Ibrahim iyo Qabsashadiisa Shaam 1832
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Noocyada
أما أنا فأذكر فيه كل ذلك؛ لأني عرفته من جميع هذه النواحي مدة ربع قرن؛ فقد كان أول من قرأت من الصحفيين الذين يعالجون الموضوعات القومية العامة، وقد كان لي طول هذه السنين الصديق الودود، بل الأخ العطوف. ولطالما خبرت غيرته ومروءته واستعداده لتلبية من يستنجده.
عرفت فيه ذلك كله، فكان حزني عليه بقدر ما عرفت وما خبرت، وكان حزنا مضاعفا لأنه اشترك فيه العقل والقلب، وما كانت الحوادث في كل يوم من هذه السنة إلا لتجدد ذكراه وتثير عاملا جديدا على الأسف عليه.
وإذا كنت قد دعيت اليوم لكتابة هذه السطور في صدر هذا الكتاب، فقد تلقيت هذه الدعوة بالشكر والحمد؛ لأنها أتاحت لي الفرصة لأقوم بواجب الذكرى وواجب الوفاء، فأظل ذاكرا وفيا له بعد الممات، كما كان لي وكنت له في الحياة. •••
هذا الكتاب حسنة من حسناته، أودعه شيئا من حبه لمصر؛ وطنه المختار، ومن إعظامه لبناة مجده ورجالاته، كما أودعه شيئا من حبه للبنان وطنه الأول وتعلقه بتقاليده وعاداته. فلقد طالما سعى وكتب لتوثيق عرى الوداد والولاء بين القطرين الشقيقين، ولم يكن أحق من «إبراهيم الفاتح» في تمثيل القطرين في شخصه؛ فقد كان سيفه صلة الوصل بينهما، كما كانت أقلام الكتاب فيما بعد موثقة لهذه الصلة. وإذا كان تمثاله قد قام في قلب العاصمة المصرية يذكر بفتوحه وانتصاراته، فإن له في قلوب الناس في الديار الشامية تمثالا يذكر بعدله وإصلاحاته.
كان إبراهيم من أبرز الشخصيات في تاريخ الشرق العربي الحديث ومن أبسل قواده. قاد الجيوش المصرية المظفرة في حروب الوهابيين والمورة والشام. ولعل فتحه الشام كان من أكثر أعماله توفيقا وأبعدها أثرا، فقد سار فاتحا، والنصر معقود بأعلامه، من غزة إلى عكا إلى دمشق إلى حمص إلى حلب، وتخطى تخوم سوريا إلى آسيا الصغرى، من أطنه إلى طرسوس إلى أزمير فقونيه، وهو يهزم أو يأسر جيشا بعد جيش حتى أصبح يهدد الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية.
هذا هو الفتح المجيد الذي رأى المؤلف - رحمه الله - أن يدون حوادثه ووقائعه ونتائجه السياسية والاجتماعية في فصول متتالية نشرها منذ ثلاث سنوات في «الأهرام» لمناسبة مرور مائة عام على فتح الشام.
كان الفقيد من أغزر الكتاب مادة وأجودهم قريحة وأخصبهم إنتاجا، ولو قام من يجمع الفصول والمقالات الشائقة التي دبجتها يراعته، في مختلف الموضوعات، في «الأهرام» وفي غيرها من الصحف مدة ثلث قرن، لتوفر لديه مجلدات ضخمة في السياسة والعلم والأدب والاجتماع. ولكن فصوله هذه التي ضمتها دفتا هذا الكتاب قد تكون خليقة بالنشر قبل سواها لعلاقتها الروحية الوثيقة بما وقف عليه حياته من خدمة القطرين اللذين جمع إبراهيم باشا بينهما بروابط سياسية تمكنت السياسة من فصمها بعد حين، وبروابط أدبية ومعنوية لم يكن مرور قرن كامل ليضعفها.
ما حدثت الفقيد يوما في وجوب جمع بعض آثاره العلمية إلا ابتسم معرضا. أما فصوله المجموعة في هذا الكتاب عن البطل الفاتح فقد كان يبتسم مرتاحا إلى نشرها، وكان قد بدأ يأخذ العدة لذلك بنفسه عندما عاجلته المنية.
لذلك أحسن شقيقه الأبر، الأستاذ بركات، الإحسان كله في قيامه بهذا العمل وانصرافه إلى تنسيق تلك الفصول ونشرها في هذا الكتاب، تذكارا لمن كان له أبا وأخا: فكان كلاهما بارا بأخيه شأن النفوس الزكية.
ولا ريب في أن محبي داود والمعجبين بداود يقدرون لأخيه صنيعه، ولعل القراء يمهدون له السبيل لينشر تباعا بعض آثار الفقيد كتاريخ الثورة العرابية، وتاريخ المسألة المصرية، وغير ذلك من الفصول والمباحث.
Bog aan la aqoon