Halyeeyga Kacaanka Weyn ee Masar Saad Zaghloul Basha
بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا
Noocyada
فمن يمر على الأولى يعزيها
ثم تلاه إسماعيل بك عاصم المحامي وإليك ما قال: «إنما يعرف صلاح الأمة بصلاح الحكومة وإنما يعرف صلاح الحكومة بحزمها والحزم هو أن يوضع كل شيء في مكانه ويصرف في وجوهه، وبابه أن تعطى الوظائف لأهليها وتسند المناصب لذويها، وهذه قاعدة فلسفية فأية حكومة لا تعطي الوظائف للخليقين بها انحطت وأية حكومة اتخذت ذلك الحزم قانونا لها تقدمت، وقد شاهدنا حكومتنا اليوم تعطي الوظائف في المحاكم الأهلية لمن هم أجدر بها وأصلح لها، ولما كانت صناعتنا المحاماة مشتبكة مرتبطة بالقضاء فقد كان لنا جزيل السرور أن رأينا في محكمة الاستئناف الأهلية مثل سعادة رئيسها وحضرة وكيلها الفاضلين، وبينما نحن منشرحو الصدر مثلجو الأفئدة لظهور هذا التطور والارتقاء في إصلاح خطة القضاء بانتخاب الأكفاء لها إذ رأينا الحكومة قد نشطت لخطة جديدة مثلى فانتقت من صناعة المحاماة أصوليا نابغة وهو حضرة سعد أفندي زغلول فعينته في محكمة الاستئناف، ولم يكن قبل في صناعة دنيا فنقول اليوم إنه ارتقى ونهنئه على ارتقائه، بل كان في مهنة شريفة سامية وكانت تفخر به وتزهى بجانبه فما كان من القضاء إلا أن نفسه علينا فضمه إليه من بين أظهرنا، وكان ذلك دليلا على انتهاج سبيل الإصلاح إذ كان سعد أفندي زغلول يصلح في الحقيقة لمنصب أرقى مما انتخب له وأسمى مكانا.
وقد اجتمعنا نحن عصبة المحامين الليلة لنهنئ أنفسنا بانتخاب الحكومة لحضرة الفاضل في سلك القضاء ولنهنئ حضرته؛ لأنه سيوجد مع رئيس اشتهر بصفات الكمال ومكارم الأخلاق وطهارة الذمة وحب الاستقلال وسعة العلم، وأعتذر إليكم أيها السادة لعجزي عن إبداء كل ما يختلج ضميري من الفرح والسرور الحقيقيين.
ثم وقف بعده «المرحوم» إبراهيم أفندي اللقاني فقال: «يا سعد» وفي هذا اللفظ من معنى الإجلال والتعظيم ما يكفيني مؤونة المقال، فيا سعد قد عز علي القول في هذا المقام مع ما لي من الأثرة والاختصاص بك والاحتفاظ بجليل فضلك إلى حد يحتبس معه لساني ويعجز عن الإفصاح والبيان، وأقتصر الآن على أن أهنئك من قلب يخالطه الأسف عن انفصالك من بيننا، وقد كنت واسطة عقدنا، وعلى قدر هذا الأسف تكون تهنئتنا على دخولك في سلك القضاء، ولكن علام هل انتقلت إلى مقام تكون فيه أكثر ثراء وأوسع دينا مما كنت فيه، كلا بل إلى مقام يحبس فيه رزقك، على راتب زهيد فعلام إذن نهنئك - أم هل انتقلت إلى مقام تزاول فيه علما لم تزاول أو تزداد سعة منه ووفرا وكنت فيه قصير الباع - كلا ... فعلام إذن نهنئك؟
بلى، نهنئك لأنك كنت تناضل عن الحق، وتحارب للإنصاف، وتجاهد للعدل، ولم يكن بيدك فأصبحت والعدل واليوم بيدك يطالبك بحقه، ألا فلنشرب على سر استلامك زمام الحق ونصرته.
ثم وقف أحمد حشمت بك - حشمت باشا - النائب العمومي فقال: إخواني قد علمتم أن النيابة العمومية والمحاماة خصمان مختلفان، ولكن كل منهما يناضل عن الحق والإنصاف، ويجد لمحو عوامل الاستبداد والاعتساف، وقد كان حضرة الفاضل سعد أفندي زغلول من أشد أولئك الخصماء وأقواهم حجة ودفاعا عن الحق وذودا عن العدل، فأصبح اليوم في صف الحاكمين بين الخصوم، فحق للنيابة العمومية أن ترحب به فيصلا يقضي بالحق كما عهدناه في دور خصومه نصيرا له.
وانبرى في أثره عدة خطباء يزيدون عن العشرة، يعددون جميعا حسنات المترجم به في المحاماة ومناقبه ومميزاته، حتى جاء دور ذلك الخطيب المصقع البليغ والمحامي النابغة المنطيق، الأستاذ إبراهيم بك الهلباوي فوقف يقول: «إذا التمست من حضراتكم المعاذير، وطلبت الصفح عن التقصير، فلي شفيع قائم بين أيديكم ألا وهو كوني أخطب الآن أثر ثلاثة عشر خطيبا، كلهم قد خلب الألباب، وأخذ بمجامع القلوب، ولكن لا أسألكم عذرا لأن موضوع خطب شخص كله فضائل ومهما قال الخطباء فبحر الفضل واسع لا تنفذ مادته، ولست أقصد بمقالي إلى الأسف على فراق سعد أفندي زغلول لطائفة المحامين فإنا ما اجتمعنا هنا لتوديعه منها، بل لنهنئ هذه الطائفة التي يحق لها أن تفخر إعجابا بما نالته بتعيينه من الشرف وعلو الشأن.
تقولون إن حرفة المحاماة شريفة وفضلها مقرر، وأقول كان ذلك لها ولكن على القرطاس، وفي القواعد الفلسفية، أما المشاهد فليس كذلك ما كان.
فمنذ تسع سنوات كانت أبعد عن اسم الشرف والفضل، وتعلمون أنتم أن المحاكم الأهلية حلت محل المجالس الملغاة التي كان أمامها محامون يسمون بوكلاء الدعاوي ليس صاحب السمعة فيهم إلا من كان أخبر بأغراض القضاة وأعرف بحاجاتهم، فكان ولا ريب هذا الفن ضائع الاعتبار بين أيدي طبقة مضيعة لشرفه خافضة لمكانته فلما تألفت المحاكم الأهلية لم يجسر أحد أن يسوق بنفسه ضحية لهذا الفن وذبحا إلا رفيقنا سعد أفندي زغلول فظل يعالج مرضه ويرتق فتقه ويقيم أوده، ويجاهد في سبيل إعلاء كلمته حتى أسدل الستار على كثير من فضائحه ومعايبه فأقدم إذ ذاك أرباب الشرف على الاحتراف به، ولهذا كان سعي رفيقنا بادئ بدء جهادا مستمرا، ولولاه ما استطاع أحد منا الاشتغال بهذا الفن الذي أصبحنا نعده اليوم فنا شريفا ومهنة سامية عالية. فالفضل كل الفضل في سمو مكانتها لحضرة سعد أفندي زغلول، فلذلك وجب علينا أن نهنئ المحاماة بانتقاله منها وارتقائه إلى منصة القضاء، فهو هو الذي صيرها أهلا لأن يرتقي منها مثله إلى محكمة الاستئناف.
ومن الغريب أنه لما عرض تعيين حضرة صديقنا المفضال سعد أفندي زغلول عضوا في محكمة الاستئناف قال قائل إن حضرته على الرغم مما أحرزه من الفضل وسعة الاطلاع في القوانين لم تكن لديه شهادة «ليسانسيه» فلما بلغ هذا القول سعادة الفاضل رئيس محكمة الاستئناف أجاب بأنه إذا كان معترفا بفضله وسعة اطلاعه في القانون أفلا يكون اضطلاعه بدراسة الشريعة الإسلامية الغراء شفيعا له وقائما مقام شهادة الليسانس، وهذه حجة دامغة ومقال رشيد، وهل من ينكر بعد هذا فضل حضرة سعد أفندي زغلول وقد عرف فضله كل مصري حتى أصبح الفلاح في زوايا القرى يعتمد على اسمه في مقاضاة خصمه إن كان محقا وتخور قواه وتهن عزيمته عند ذكر اسمه إذا كان مبطلا، فهل مثل هذا الفاضل تكبر عليه وظيفة مندوب في قلم قضايا الحكومة وقد أكبرتها من قبل ذلك الأغراض، ثم كادت أن تكبر عليه وظيفة نائب قاض في محكمة الاستئناف وهي الوظيفة التي نحتفل اليوم لها؟ وأنتم يا حضرات الإخوان تعترفون في سركم وعلانيتكم بأنه أفضلنا وأجدرنا بالرقي واستلام زمام الحكم في أكبر مصالح الحكومة، فالمحاماة التي رفعها إلى ذروة الشرف لا تزال تطالبه بأن يتسنم بها أعلى سنام الرعاية والاعتبار، وأن يمحو عنها ما بقي من رسوم الزراية والاحتقار حتى إذا طلب أحدنا فيما بعد إلى منصب أرقى مما نال اليوم لا يجد دونه معترضا.
Bog aan la aqoon