ونحن نستطرد هنا من صورة الرجل في حياته الخاصة إلى صورته في حياته الفكرية، أو حياته العامة على الإجمال.
فقياس النكتة هو قياسه الوحيد في هذه الصورة.
وهو لا يرتضي هذا القياس، ولا يزال يقول كلما فرق بينه وبين شكسبير إنه هو صاحب رسالة لجيله وللأجيال المقبلة، وإن شكسبير لم تكن له رسالة يؤديها لجيل من الأجيال.
والواقع أن هذه التفرقة نفسها هي إحدى نكاته التي تخضع لذلك القياس، وليس هو في حكمه على شكسبير ولا في حكمه لنفسه بمصيب.
إن شكسبير قد أحيا التاريخ بقريحته الخالقة، فعرف أبناء قومه بأنفسهم وعرف الناس بالتاريخ وعرفهم بالحياة، وليس بعد إيجاد الوجدان القومي ولا بعد تعريف الناس بالتاريخ والحياة من رسالة يطمع فيها شاعر عظيم.
أما شو فلو أراد الناس أن يتبعوه في وجهة من وجهاته المتعددة لحاروا في مفترقها، ولم يجدوا بين تلك الوجهات المتعارضة غير جامعة واحدة، وهي جامعة النكتة البارعة أو «الوثبة الرياضية» التي ترضيه بحركتها وهو يقفز إلى اليمين كما ترضيه بالحركة نفسها وهو يقفز إلى اليسار! ومن حوله النظارة يعجبون ويصفقون، ولا يعنيهم أن يقيسوا مسافة الاتجاه كما تعنيهم الوثبة «الفنية» على أي اتجاه!
فهو من الفرديين مع أبسن، ومن الاشتراكيين تارة مع كارل ماركس، وتارة مع جماعة الفابيين.
وهو هو من أنصار الحرية المتطرفين، ومن المشيدين بالسلطة الموحدة، والدولة التي يحكمها بأمره زعيم.
وهو من أنصار الجماعات البشرية، ومن المؤمنين بالبطل أو السوبرمان.
وهو يوصي بحب المال ويعظم شأنه، ثم يرى أنه قاصر عن إسعاد صاحبه، وأن سعادة الضمير تكسب بثروة الروح لا بثروة المال.
Bog aan la aqoon