ففي الربع الأخير من القرن الماضي اكتسحت المسرح الإنجليزي ممثلة عظيمة تدعى إلين تري، وكان جمال وجهها لا يساويه إلا فصاحة لسانها، وهذا إلى ذكاء نادر وثقافة واسعة.
وأحبها برنارد شو وكتب إليها رسالة حب.
وردت إلين تري على الرسالة برسالة تستجيب فيها لحبه، وكان برنارد شو يراها كل مساء على المسرح فلا يحاول لقاءها، وكانت هي تنظر من خروق الستار إليه وهو في الصف الأول بين المتفرجين.
وتبودلت رسائل الحب بينهما سنين ولكن بلا لقاء، هل كان حبهما أكبر من أن يشتهي أحدهما الآخر؟
إن في برنارد شو نسكا عجيبا، إذ كان يعزف عن اللحم في الطعام ولا يشرب الخمر ولا يدخن، وقد عاش مع زوجته شارلوت نحو نصف قرن لم يحدث فيه بينهما اتصال حميم، فهل كان هذا العزوف عن اللقاء بينه وبين إلين تري نسكا؟
ألا يمكن أن نفسر هذا العزوف بأنه وسيلة لاستبقاء الحب حتى يبقى مشتعلا لا ينطفئ باللقاء؟ بل، ألا يمكن أن نقول إن هذا العزوف كان وسيلة لزيادة الحب واحتدامه؟
إني أكاد أسمع همسات القارئ هنا بأنه لم يكن هناك حب، أو إذا كان هناك حب فإن في برنارد شو علة أو عللا حالت دون الوصول به إلى غايته الحميمة.
ولكن علاقات برنارد شو خارج الزمام كانت فاضحة، على الرغم مما عرف عنه من التعقل في سلوكه، ومما يذكر عنه أنه «اشتهى» إحدى الممثلات، وتعقبها في رواحها وغدوها حتى فرت من الفندق في أحد المصايف، وتركت المصيف كله هروبا منه.
لكأن برنارد شو يقول: «من أحببناه هجرناه».
إن الموقف سيكولوجي دقيق يحتاج إلى التحليل، وليس عندنا من التفاصيل ما يكفي لهذا التحليل؛ ولذلك نتركه كي يعبر به القارئ ويتأمله ويجتره، يحاول أن يحله وفق ما يحس ويعقل، والتفكير هنا ينفع كثيرا.
Bog aan la aqoon