Bariqa Mahmudiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Daabacaha
مطبعة الحلبي
Lambarka Daabacaadda
بدون طبعة
Sanadka Daabacaadda
١٣٤٨هـ
الْوَعِيدِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَا الْوُقُوعِ وَالِاسْتِيجَابِ أَوْ عَلَى اعْتِقَادِ الْحِلِّ أَوْ بِحَمْلِ النَّصِّ عَلَى صُدُورِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ مِنْ الْكَافِرِ بِقَرِينَةِ نُزُولِهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي سَبَبِ نُزُولِ - ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣]- الْآيَةُ وَاعْلَمْ أَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ لَيْسَ بِجَائِزٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْكَرَمِ وَحَقُّ الْعَبْدِ عَلَى اللَّهِ إحْسَانًا وَأَمَّا خُلْفُ الْوَعِيدِ فَظَاهِرُ مَا فِي بَحْرِ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَائِزٍ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَجَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ وَعِيدِهِ يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ وَأَنْ يَغْفِرَ وَلَا يُعَاقِبَ.
وَحَاصِلُ مَا نَقَلَ الدَّوَانِيُّ عَنْ الْوَسِيطِ لِلْوَاحِدِيِّ جَوَازُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ ﵁ مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلِهِ ثَوَابًا فَهُوَ مُنَجَّزٌ لَهُ وَمَنْ أَوْعَدَهُ عَلَى عَمَلِهِ عِقَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّ ذَلِكَ عَيْبًا بَلْ كَرَمًا وَفَضْلًا بَلْ هُوَ مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَ كُلٍّ كَمَا قَالَ الْمَوْصِلِيُّ
إذَا وَعَدَ السَّرَّاءَ أَنْجَزَ وَعْدَهُ ... وَإِنْ أَوْعَدَ الضَّرَّاءَ فَالْعَفْوُ مَانِعُهُ
، وَلَقَدْ أَحْسَنَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ بِقَوْلِهِ إنَّ الْوَعْدَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَخْلُفُ وَالْوَعِيدُ حَقُّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَأَوْلَاهُمَا الْعَفْوُ وَالْكَرَمُ لِأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: الْمُحَقِّقُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَيْفَ وَهُوَ تَبْدِيلٌ لِلْقَوْلِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٩] وَقَالَ الْخَيَالِيُّ: بَلْ كَذِبٌ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ.
ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ مُرَادَهُمْ الْكَرِيمُ إذَا أَخْبَرَ بِالْوَعِيدِ فَاللَّائِقُ بِشَأْنِهِ أَنْ يَبْقَى إخْبَارُهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَعْدِ فَلَا كَذِبَ وَلَا تَبْدِيلَ انْتَهَى وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْبَعْضِ أَنَّهُ لَا كَذِبَ فِي الْمُسْتَقِلِّ وَإِنْ أُورِدَ عَلَيْهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الدَّوَانِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخُلْفٍ لِأَنَّ نُصُوصَ الْوَعِيدِ إمَّا إنْشَاءُ تَهْدِيدٍ أَوْ مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ أَيْ الْمُذْنِبُ الْمَغْفُورُ بِالدَّلَائِلِ الْمُفَصَّلَةِ أَوْ بَيَانٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْوُقُوعِ فَحَاصِلُ كَلَامِ الدَّوَانِيِّ هُوَ الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الْخُلْفِ (وَيَجُوزُ الْعِقَابُ عَلَى الصَّغِيرَةِ) .
قَالَ الْخَيَالِيُّ: مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَلِإِثْبَاتِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى مَعَ أَنَّ الْخَصْمَ لَا يُنْكِرُهُ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى.
وَأَدِلَّةُ الشَّارِحِ قَوْله تَعَالَى - ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]- لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ جَوَازِ الْعِقَابِ وقَوْله تَعَالَى - ﴿لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩]- وَالْإِحْصَاءُ إنَّمَا يَكُونُ لِلسُّؤَالِ وَالْمُجَازَاةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَغْفِرْ الصَّغِيرَ وَلَمْ يَقَعْ الْعَذَابُ عَلَيْهَا فَأَيْنَ يَظْهَرُ كَوْنُهَا عِصْيَانًا وَأَيْضًا الْمُجَازَاةُ عَيْنُ وُقُوعِ الْعِقَابِ وَأَنَّ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى - ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨]- يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرَ (وَلَوْ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١]- فَمَحْمُولٌ عَلَى الْكُفْرِ إذْ الْكَبِيرَةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكُفْرُ لِكَمَالِهِ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ وَبِهِ تَنْدَفِعُ شُبْهَةُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّعْذِيبِ (وَالْعَفْوُ) أَيْ تَرْكِ الْعُقُوبَةِ وَالسَّتْرُ عَلَيْهِ (عَنْ الْكَبِيرَةِ وَلَوْ بِلَا تَوْبَةٍ) قِيلَ: إنَّ الْكَبِيرَةَ كُفْرٌ فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَإِنْ مِنْ غَيْرِهَا فَمَرْجُوَّةٌ أَقُولُ: ظَاهِرُ النُّصُوصِ هُوَ الْقَطْعُ مُطْلَقًا بِلَا تَفْرِقَةٍ إلَّا إذَا لَمْ تُقَارَنْ بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا ثُمَّ وَجْهُ الْعَفْوِ بِلَا تَوْبَةٍ أَنَّ الْعِقَابَ حَقُّهُ تَعَالَى فَلَهُ إسْقَاطُهُ وَيَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ مِثْلُ ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ - وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [المائدة: ٢٥ - ١٥] إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (وَاَللَّهُ تَعَالَى يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ) وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ عِنْدَ بَعْضٍ (وَيَقْضِي الْحَاجَاتِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوطٌ بِالطَّلَبِ وَالثَّانِي وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ (تَفَضُّلًا) عَلَى عِبَادِهِ لَا وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]- ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ [البقرة: ١٨٦]
1 / 187