وحين رآه قادما لم يكن محتاجا ليسأله؛ فقد كانت السعادة بادية على وجهه.
قال شهاب: لقد أخفتنا عليك البارحة خوفا شديدا. - شدة وزالت.
وهومت سحابة من الأسى على وجه الحاج حامد. شهاب بن هارون، أتراه مثله؟ هيهات! إن أحدا لن يكون جاحدا جحود هارون. وطالما شكا لي شهاب من عدم اهتمام أبيه به أو بأخيه. لا، الولد لا ذنب له. وانجابت غمامه الحزن وعاد إلى حفيده: قل لي يا شهاب، ماذا تنوي أن تعمل بعد أن نلت بكالوريوس الهندسة؟
وصمت شهاب قليلا، ثم قال: أنا لم أفكر بعد والله يا جدي. إن كان الأمر لي لبحثت عن عمل لي بعيد عن شركات أبي، ولكن هذا سيبدو أمرا غريبا وأنا لا أحب أن أعلن عدم اهتمام أبي بنا على الناس أجمعين. ما رأيك أنت يا جدي ؟ - أنا أفكر في شيء آخر. - شيء آخر؟ - نعم. - فيم تفكر يا جدي. - سأخبرك. - الآن. - ألم تفكر في الزواج. - والله لم أفكر فيه حتى الآن. - ولم لا؟
وفكر شهاب قليلا، ثم قال: فعلا ولم لا؟ - هل تحس قلبك يميل إلى فتاة بعينها؟ - تقصد أني أحب. - وما البأس؟ - كنت أتمنى، ولكن البيت الذي أعيش فيه ليس فيه مكان للحب، وهذا بفضل أبي الذي صرف قلبه كله إلى المال، ولا يتصور أنني وأخي وأمي نحتاج إلى شيء آخر غيره. - إذن فأنت لا تحب أحدا. - لا. - ألا تفكر في فتاة تصلح زوجة لك.
وصمت قليلا، ثم قال: أعتقد أن هناء ابنة خالتي بنت حلال وتصلح زوجة من جميع الوجوه. - عظيم! إنها فعلا فتاة عظيمة. - ولكن هل تظن أن أباها يقبل زواجها مني بعد الموقف المشين الذي رآني فيه. - لا تفكر في هذا، واعتمد على الله ثم علي. - أطال الله عمرك. - أمهلني بضعة أسابيع، وسأزوجك منها إن شاء الله. - هذا أمر يسير. - أمامي بعض أعمال أريد أن أنتهي منها، ثم أتفرغ لزواجك. - أمرك. - أنا أريد أن أسافر إلى القاهرة، وأنت محتاج أن تبقى هنا بضعة أيام تسترد فيها نفسك. سأتركك مع جدتك. - أنا فعلا أحتاج أن أبقى هنا بضعة أيام أخرى. - وهو كذلك. •••
لم يكن الوصول إلى السمسار بحي المنيرة أمرا عسيرا، فسرعان ما اهتدى إليه الحاج حامد ومختار. وقال الحاج حامد للسمسار الحاج صالح الرويني: انظر إلى هذا العقد.
وقرأ الحاج صالح العقد: أمرك. - أنا صاحب هذا البيت. - هل هو خال من السكان؟ - يقيم فيه ابني بلا عقد ولا تنازل مني ولا ورقة تثبت حقه فيه. - هل تتعهد بإخلائه؟ - إذا وجدت أي صعوبة أذللها. - كم تريد ثمنا لهذا البيت؟ - أنا أوجه إليك هذا السؤال. - من مليون ونصف مليون إلى مليونين. - شيء واحد أريده منك. - أنا تحت أمرك. - لا أريد المشتري أن يدخل البيت. - هذا أمر صعب. - أنا حقيقة فلاح، ولكني أعرف الحال في القاهرة الآن. - ماذا تعني؟ - أعني أن المشتري لن يشتري البيت للإقامة فيه، فليس هناك من يقبل أن يشتري بيتا قديما كهذا البيت بمليونين من الجنيهات للإقامة فيه. - لعلك على حق. - المهم هو الموقع والأرض. - إذن أعطني بضعة أيام. - أسبوع مثلا.
أنا رجل كبير في السن، وقد سجلت هذا التوكيل لصديقي مختار. وقال مختار: أجيء إليك بعد أسبوع. - إن شاء الله. •••
باع الحاج حامد البيت وسجل البيع في عشرة أيام، وأرسل المشتري إنذارا إلى هارون بإخلاء البيت الذي يقيم به بغير سند قانوني.
Bog aan la aqoon