وعلى الغداء قال حلمي: قل لي يا شهاب، ألم تتصل في حياتك بالبنات؟ - اتصالات عابرة. - مثل ماذا؟ - ما تيسر. - ألم تذهب إلى بيت من بيوت المتعة؟ - أسمع عنها ولكني لم أرها. - هل من المعقول هذا؟! - أتراه غير معقول؟ - لو أن الشباب جميعهم مثلك لخربت هذه البيوت. - يا ليتها تخرب. - اسكت، أنت لا تعرف شيئا. - أعرف ماذا؟ - هناك ينسى الإنسان نفسه. - وينقلب إلى حيوان. - وما البأس؟ أليست الحيوانية جزءا منا؟ - جزء بغيض. - على أساسه تبقى الحياة، لولاه لفني البشر. - هذا في الزواج. - ولكننا قبل الزواج شباب، ولا بد أن نجرب الحياة. - أتظن ذلك؟ - بل أنا واثق. - أذهبت أنت إلى بيت من هذه البيوت؟ - مرتين في حياتي؛ وهذا لقلة المال طبعا، فلو كان معي مال لذهبت إليها يوميا. - أين هذا البيت؟ - ما رأيك نذهب الليلة. هل معك فلوس؟ - معي. - إذن نلتقي في التاسعة ونتمشى بالسيارة قليلا، ثم نذهب. - والله لا مانع.
والتقيا، وذهبا، وواجه شهاب حياة جديدة عليه، سعد ببعضها وتقزز من بعض آخر فيها.
النساء عرايا، وصاحبة البيت عجوز تفعل بوجهها الأفاعيل لتبدو في غير سنها، وفي البيت صمت كئيب على غير ما تصوره الأفلام المصرية، الهمس هو صوت المتحدثين، والغمز بالعين الواحدة إشارات كأضواء خجلى لا تنطفئ ولا تنير. وقلة قليلة من رجال لا يعرف أحدهم الآخر، وإنما كل منهم في شأن يغنيه، يجلس في صحبة كأس يحسوها في توتر شديد.
ألح حلمي على شهاب أن يشرب كأسا من الويسكي، وأطاعه آخر الأمر ولكنه لم يكمل الكأس؛ فذوقه رفض طعم الشراب ولم يجد له تلك النشوة التي سمع بها.
وحين خرج من البيت كان يشعر بشيء من الخجل والغضب من نفسه. •••
يحرص فائق على الذهاب إلى الكلية كل يوم رغم الزحام الشديد، ورغم أنه لا يستفيد شيئا من المحاضرات التي يلقيها الأساتذة؛ فقد كان يعتمد في نجاحه على مذاكرته هو في بيته. وهو في ذلك مثل الأغلبية الكاثرة من الطلبة، ولكنهم مع ذلك يصرون على الذهاب إلى الكلية، ولكل من الطلبة سبب خاص به في ذهابهم إلى الكلية؛ فأغلبهم لا يصيب شيئا من الفائدة بالمحاضرات، بل إن كثيرا منهم يذهب إلى الكلية ولا يدخل إلى المحاضرة، ويقول قائلهم: إن وجدت الكرسي الذي أقتعده، فلن أجد الهواء الذي أتنفسه. ولكن الطلبة مع ذلك يحرص أغلبهم على الذهاب إلى الكلية. وأين سيجد كل هؤلاء الأصدقاء ومن ينادمهم وينادمونه؟ وأين سيجد الفتيات بهذه الأعداد الهائلة؟ ولكل من الطلبة فتاة من زميلاته يعجب بها، وسواء لديه إن كان عنده أمل في صداقتها أو لا أمل له.
وكان فائق من هؤلاء الكثرة الذين يحرصون على الذهاب إلى الكلية، وكان له في فتاة بذاتها مأرب، ولكنه ما كان يدري كيف يتقرب منها أو يرمي شباكه عليها؛ فقد كانت صلاته الاجتماعية محدودة، وكانت المآدب التي يقيمها أبوه لا يأتي إليها من الفتيات من هن في مثل سنه، وإنما كن في سن أمه، فإن صغرنها فبسنوات قليلة لا يتصور أن تكون واحدة منهن على علاقة به.
وفي الكلية أغلب الفتيات يتجمعن بعيدا عن الطلبة، ولم يكن يتصور أن يقتحم عليهن تجمعهن ويخاطب واحدته التي يعجب بها كل الإعجاب. وكل ما استطاع الوصول إليه بعد جهد جهيد أن اسمها إلهام، وحتى لم يعرف اسم أبيها.
وكان فائق يذهب إلى المكتبة كثيرا بعد انتهاء المحاضرات ليحصل على بعض مراجع؛ فقد كان حريصا أن يكون نجاحه بتقدير يشرفه.
دخل إلى المكتبة ووجد فيها إلهام فخفق قلبه. إنه محقق في يومه هذا ما عجز عن تحقيقه منذ التفت قلبه إليها. عثر على المرجع الذي جاء من أجله ووضعه أمامه وفتحه ولم يستطع أن يقرأ منه شيئا؛ فقد كانت عيناه على إلهام أن تخرج وهو مستغرق في القراءة. الكتاب يستطيع أن يعود إليه في أي وقت، ولكن هذه الفرصة هيهات أن يجعلها تفلت من يديه. قامت إلهام لتعيد ما معها من مراجع ، فقام من فوره وأعاد المرجع لم يقرأ منه حرفا. وخرج مع إلهام من المكتبة. كانت ساحة الجامعة تكاد تكون خالية، ومشت إلهام فتبعها لا ينطق بكلمة، حتى إذا بلغا خارج الجامعة وقفت إلهام تبحث عن سيارة أجرة، وحينئذ تجرأ وأقدم: أين سيارتك؟ - في الإصلاح. - هل إذا عرضت أن أوصلك أكون تجاوزت مكاني؟ - مطلقا. أنت زميلي، وأي تجاوز أن يعين زميل زميلة له؟ - تفضلي.
Bog aan la aqoon