ويكمل فائق: ونحن شباب في يدنا المال، وحتى أصدقاؤنا في الكلية يتقربون إلينا لننفق عليهم فما ندري من منهم الصادق ومن المنافق.
ويقول شهاب: نحن أكثر الناس حاجة إلى أبينا كإنسان، لا كأموال.
وتقول حميدة: أجربتم القراءة؟
ويقول فائق: قليلا ما نقرأ، ولكن القراءة وحدها لا تكفي. قد تهب لنا الثقافة، ولكنها لا تهب لنا الخبرة.
ويقول شهاب: لا تعجبي يا أمي إذا ضل بنا الطريق، ووقعنا في أخطاء لا يجدي المال في تلافيها.
وبقلب الأم تصيح حميدة: يا ابني قل وغير! لا قدر الله ولا كان. - أخاف يا أمي، أرجو ألا يقدر الله، ولكن إذا ضللنا فسيكون الخطأ من طريقة عيشنا لا من شيء آخر.
الفصل الثامن
كان سعدون في بيته بجاردن سيتي الذي لم يغيره منذ زواجه، ولم يكن بحاجة أن يغيره؛ فقد كان المال وافرا عنده من ريع الأرض الذي كان يزيد زيادة فاحشة. كما أنه أصاب مبلغا يزيد على مليوني جنيه حين آلت عمارة عابدين للسقوط، وقررت الجهات المختصة إزالتها حتى لا تنقض على من بها. ورأى سعدون أن بيع أرضها خير له من إعادة بنائها. وكانت العمارة مقامة على حوالي ألف متر، وكان سعر المتر في هذه المنطقة قد تجاوز الألفي جنيه. فباع الأرض بما يزيد على مليوني جنيه؛ وبذلك أصبح موفورا في ماله السائل، كما كان موفورا بأرضه وأرض زوجته وفية الذي وصل إيجار الفدان فيها إلى ألف جنيه في العام، كان يدفعها لها هارون راضيا؛ فقد كان يكسب من الأرض أضعاف هذا المبلغ.
جاء الخادم يبلغه أن عبد المجيد زين الدين بالدور الأول يرجو أن يلقاه، فتعجب سعدون لهذه الزيارة المفاجئة؛ فقد كان لا يرى عبد المجيد إلا في أول كل شهر ليسلمه المبلغ الذي تعهد أن يقدمه إليه، والذي زاد إلى أربعمائة جنيه في السنوات الأخيرة. كان مرتديا ملابسه فنزل من فوره إلى غرفة الاستقبال في بيته: مرحبا عبد المجيد بك! - أهلا بالرجل العظيم! - وبعد لك؟ إنك دائما تخجلني. قهوتك مضبوطة أليس كذلك؟ - نعم.
وطلب سعدون القهوة لضيفه الذي ظل شبه صامت لا يتكلم، وإذا تكلم لا يتكلم إلا عن الجو والصحة وأولاده، وهذه الأحاديث لا تعني شيئا، وكلما تكلم ازدادت دهشة سعدون من هذه الزيارة التي لم يتصور أن يكون المراد منها مجرد الحديث عن الجو والصحة والأولاد. عرف من الأحاديث أن إلهام حفيدة عبد المجيد من ابنه وجدي أصبحت في السنة الثالثة من كلية التجارة، وأن حفيدة نبيل من ابنه إسماعيل في السنة الرابعة من كلية الطب، ولكن ماذا يعني هذا؟ إن هذه الأنباء نفسها ليست جديدة عليه؛ فهو على صلة شهرية في الصباح بعبد المجيد، شهرية في الصباح وتكاد تكون شبه يومية في مقهى الهيلتون الذي انتقلوا إليه بعد أن هدمت الأنجلو. وكان عبد المجيد قد أقلع عن شرب الخمر وأصبح أقرب ما يكون إلى التصوف، لكنه كان يحب الجلوس إلى من بقي من أصدقاء الأنجلو في مقهى الهيلتون، يتبادلون الحديث ويعلقون على الأحوال الاقتصادية والمالية، ويفرج المكروب عن كربه، ويترحمون على الأيام الخوالي، ويتناقلون أخبار بعضهم البعض. إنها زيارة غريبة! ماذا حدث للرجل؟ إن الزيارة المنزلية لم تصبح سمة العصر. ماذا يريد الرجل، وفيم هذا الحديث الذي لا جديد فيه؟ وشرب عبد المجيد القهوة ورشف رشفة من الماء: لا تعجب كثيرا من هذه الزيارة. - البيت بيتك وتشرف في كل وقت. - مرت حوالي عشر سنوات منذ اليوم الذي تفضلت فيه ...
Bog aan la aqoon