وقال أبو العباس أحمد بن مسروق: حدثنا محمد بن الحسين، حدثني موسى بن عيسى عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي: قال: حدثني بعض الحكماء، قال: خرجت وأنا أريد الرباط حتى إذا كنت بعريش مصر، إذا أنا بمظلة وفيها رجل وقد ذهبت عيناه، واسترسلت يداه ورجلاه وهو يقول: لك الحمد سيدي ومولاي. اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا: فقلت: والله لأسئلنه أعلمه أو ألهمه إلهاما، فدنوت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام فقلت له: رحمك الله إني أسألك عن شيء تخبرني به أم لا؟ فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. فقلت: رحمك الله، على أي نعمة تحمده، أم على أي فضيلة من فضائله تشكره؟ فقال: أوليس ترى ما [قد] صنع بي؟ فقلت: بلى. فقال: والله لو أن الله [تبارك و] تعالى صب علي نارا تحرقني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي. ما ازددت له [سبحانه إلا حبا، ولا ازددت له إلا] شكرا. وإن لي إليك حاجة أفتقضيها لي؟ قلت: نعم، قل ما تشاء. فقال: بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي، ويطعمني عند إفطاري. وقد فقدته منذ أمس. فانظر هل تحسه لي؟ قال: فقلت في نفسي: عن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عز وجل. وقمت وخرجت في طلبه حتى إذا صرت بين كثبان الرمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه. قال: فأتيته وسلمت عليه فرد علي السلام. فقلت: رحمك الله إن سألتك عن شيء تخبرني [به]؟ فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به. قال: قلت: أنت أكرم على الله [عز وجل] وأقرب منزلة، أم نبي الله أيوب عليه [الصلاة و] السلام؟ فقال: بل [نبي الله] أيوب [عليه الصلاة والسلام] أكرم على الله مني، وأعظم عند الله منزلة، [فقلت]: ابتلاه الله فصبر حتى استوحش منه من كان يأنس [به، وكان غرضا لمرار الطريق]. واعلم أن ابنك الذي أخبرتني به وسألتني أطلبه لك افترسه السبع، فأعظم الله أجرك [فيه] فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا، ثم شهق [شهقة] وسقط على وجهه، فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت. فقلت: إنا لله و[إنا] إليه راجعون. كيف أعمل [في أمره، ومن يعينني على غسله وكفنه، وحفر قبره ودفنه.
فبينا أنا كذلك] إذا أنا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم، فأقبلوا نحوي حتى وقفوا علي، فقالوا: ما أنت وما هذا؟ فأخبرتهم بقصتي، فعقلوا رواحلهم وأعانوني حتى غسلناه بماء البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، وتقدمت أنا فصليت عليهم مع الجماعة فدفناه في مظلته، وجلست عند قبره أنسا به أقرأ القرآن إلى أن مضى من الليل ساعات فغفوت غفوة، فرأيت صاحبي في أحسن صورة وأجمل زي، في روضة خضراء عليه ثياب خضر، قائما يتلو القرآن. فقلت له: ألست صاحبي؟ قال: بلى. قلت: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ فقال: اعلم أني وردت مع الصابرين لله عز وجل في درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء. وانتبهت.
Bogga 100