ثم قالت: اللهم إني فعلت ما أمرتني [به] فأنجز لي ما وعدتني، ولو بقي أحد لأحد. قال: فقلت في نفسي: تقول لبقي ابني لحاجتي إليه، فقالت: لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لأمته. فخرجت وأنا أقول: ما رأيت أكمل منها ولا أجزل. ذكرت [رحمها الله] ابنها بأحسن خصاله وأجمل خلاله، ثم لما علمت أن الموت لا مدفع له ولا محيص عنه، وأن الجزع لا يجدي نفعا، وأن البكاء لا يرد هالكا، رجعت إلى الصبر الجميل، واحتسبت ابنها عند الله [عز وجل ذخيرة نافعة] ليوم الفقر والفاقة.
وقال الأصمعي أيضا: رأيت بالبادية أعرابية جالسة على قبر ابن لها تندبه وهي تقول:
قبر عزيز علينا لو أن من فيه يفدي ... [أسكنت قرة عيني ومؤنس النفس لحدا]
[ما جار خلق علينا ولا القضاء تعدى] ... والصبر أحسن شيء به الكريم تردى
وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد أخبرنا عبد الرحمن عن عمه [عن] يونس قال: ((بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض الطرق إذا بأعرابي قد أقبل فقال [له]: يا أعرابي من أين أقبلت؟ فقال: من عند وديعة لي في هذا الجبل. قال: [و] ما وديعتك؟ قال: بني لي دفنته منذ سنتين، فأنا في كل يوم أزوره وأندبه، فقال عمر: سألتك بالله ألا أسمعتني بعض ذلك؟ فقال:
Bogga 97