وقال الإمام ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره" (4/401) مناقشا مسألة إهداء ثواب القراءة للموتى، حيث جزم بعدم وصولها، معللا سبب المنع:"إنه ليس من عملهم،ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا؛ لسبقونا إليه.
وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء" وعلى هذا جرى السلف الصالح رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين) (¬1) :
(فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه"رواه أبو داود (¬2) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبل الحجر الأسود:"إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك؛ ما قبلتك" رواه البخاري ومسلم.
وقالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: أتقضي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟
فقالت رضي الله عنها: "أحرورية أنت؟ كنا نحيض في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يأمرنا به،
أو قالت: فلا نفعله" رواه البخاري ومسلم.
وروى الترمذي ( 2738)، والحاكم (4/265-266) وغيرهما بسند حسن عن نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله!
قال ابن عمر:"وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال" .
فهذه أحاديث نبوية وآثار سلفية من صحابة كرام، تبين المنهج الصحيح في تلقي الشرع، وأنه لا مجال لتحسين العقل فيه، أو لتزيين الرأي به، وأن مورد ذلك كله النصوص الشرعية.
ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله في كلمته المشهورة التي نقلها عنه أئمة مذهبه وعلماؤه كالغزالي في "المنخول" (ص374)، والمحلي في "جمع الجوامع-2/395 بحاشيته":"من استحسن فقد شرع ") (¬3) .
Bogga 8