ولا يرد أن الظني لا يقاوم القطعي، فلا يجوز رفعه به؛ لأن دليل المنسوخ ليس بقطعي في الدوام، بل ظني الدلالة فيه، فكان من رفع الدوام المظنون بالمظنون، وتضمن الرفع بيان انتهاء مدة الحكم الشرعي؛ ولأنه قد صح تخصيص المتواتر بالآحاد، فيجوز النسخ بها؛ لأن في كل منهما بيانا للمراد من المخصوص والمنسوخ، إلا أن الأول في الأعيان، والثاني في الأزمان، وتوضيحه أن العموم مراد به البعض دون الكل، والتخصيص قرينة تلك الإرادة، والمنسوخ من المطلق الذي أريد به المقيد، والنسخ قرينة التقييد، وبهذا يندفع ما يقال: التخصيص بيان، وجمع بين الدليلين دون النسخ، فهو إبطال ورفع، فيكفي في الأول دون الثاني، على أن في العمل بالناسخ جمعا أيضا، لحصول العمل بأحدهما في الزمان الأول، وبالثاني وفي الزمان الآخر.
واعلم ثانيا أنه قال في البحر: وتحريمها ظني لأجل الخلاف، وإن صح رجوع من أباحها لم تصر قطعية، على خلاف بين الأصوليين. انتهى.
يعني والمختار: أنه لا يصح أن يقع إجماع على مسألة بعد اختلاف في عين تلك المسألة، كما هو قول جماعة، وفصل بعضهم بأنه إن رجع عن قوله إلى قول بقية أهل العصر لدليل ظني، فالظن لا ينقض الظن، وإن رجع لدليل قطعي صار قطعيا، ولكنه مبني على اعتبار الخلاف في هذه المسألة، وقد عرفت فيما تقدم أنه لم يتحصل فيها خلاف محقق من الصحابة والتابعين والله أعلم.
Bogga 19