نقلت إلى العربية منذ سنة كتاب «النيل» للكاتب الألماني الكبير إميل لودفيغ، وقد قلت في مقدمتي: «وللنابغة الغربي هذا كتاب «النيل» وكتاب «البحر المتوسط» ترجم فيهما للنهر وللبحر كما ترجم للعظماء، فأكسبهما من الحياة ما يخيل إلى القارئ معه أن الجماد من بني الإنسان، و«النيل» هو الذي أعرضه الآن على القراء.»
والواقع أنني بدأت بترجمة «البحر المتوسط» قبل نشر «النيل» فأتممت نصفها في «نابلس» وأتممت النصف الآخر في «القاهرة»، و«البحر المتوسط» هو الذي أقدمه اليوم إلى القراء.
وقد سلك المؤلف في تاريخ البحر طريقا غير الذي سلك في تاريخ النهر، فالمؤلف، وإن رأى إمكان وصف سيرة النيل كما توصف حياة بطل من ولادته إلى مماته، وجد البحر المتوسط ميدان صراع روائي بين أممه، ووجد معارضة النيل الفحل الذي يشق طريقه من خلال الصخور والصحارى بهذا البحر الأنثى، ووجد الجميع يبغي حيازة البحر المتوسط فينتقل من سيد إلى سيد.
والبحر المتوسط هو الذي ظل قرونا كثيرة مركزا للحضارة العالمية التي حمل لواءها اليونان ثم الرومان ثم العرب، والبحر المتوسط هو الذي كان أداة وصل بين تمدن الشرق وتمدن الغرب، ولم يخسر هذا البحر مكانه في عالم التجارة إلا بعد اكتشاف «رأس الرجاء الصالح» ثم استرد مقامه التجاري بعد حفر قناة «السويس».
وما فتئ الشرق يستهوي إميل لودفيغ ويجتذبه، فأنفق عشر سنين
1
في وضع «النيل»، وأسبغ على النيل من الروعة والقوة كما أسبغ على الأبطال والعظماء. ولودفيغ قد قضى سنين كثيرة على شواطئ البحر المتوسط التي أحبها، ثم وضع عنه، في ثلاث سنين، هذا السفر الجليل الذي أقدم ترجمته، فيكون قد اجتمع البحر بعد النهر لدى القارئ العربي.
عادل زعيتر
القاهرة
مقدمة المؤلف
Bog aan la aqoon