وقاوم القرون والرياح «برج الرياح» القديم الذي نقش أهل أثينة عليه رموزا مناسبة فيما مضى، وتبصر في الذروة منه إلها بحريا مصنوعا من حديد متحولا ممثلا دور رئيس لفرقة موسيقية مشيرا بصولجانه إلى الجهة التي تهب منها الريح، وتبصر على أطرافه صورا مجنحة بارزة ممثلة طورا برابرة غلاظا يرمزون إلى رياح الشمال الباردة وممثلة طورا أشباحا شبابا لابسين ثيابا خفيفة يرمزون إلى النسام اللطيفة، ويسيل الماء من إناء كيرون المغطى دفيئا واللابس جرموقا والذي يرمز إلى ريح الشمال الغربي كدليل على ما يأتي به من المطر في بعض الأحيان، ويتقدم الشاب الشبه العاري: زفير تقدما وئيدا طليق الوجه فتنم الأزهار التي يجلبها على ملاءمته للحدائق، ويستر بوره أنفه وفمه بمعطف فيلوح أنه يرتجف بردا كبعض مبغضي البشر، وذلك نتيجة للقر
27
الذي ينشره حوله. وهكذا كانت الرياح تسامر أهل أثينة في عصر الآنية المزخرفة بالأسود والأبيض، ويمضي ألفا عام فيرقص دراويش الترك في أسفل ذلك البرج، واليوم تنتظر أثنية هيفاء في سيارتها حبيبا لها بالقرب من برج الرياح ذلك فتكاشر
28
زفير وتغمزه بعينها.
وظلت حرارة البحر المتوسط متساوية بتفاوت طوله، وذلك إلى أن الساحل الشمالي أمين بجبال الألب وإلى أن البحر الأسود يتلقى برد سهوب روسية القارس، وفي هذا تفسير لجو نابل الصحي وجو القسطنطينية الخطر، مع أن كلا المصرين واقع على عرض واحد.
والبحر المتوسط صحي في جميع أجزائه تقريبا، ويكاد البحر المتوسط لا يعرف الأمطار القارية الطويلة المتعبة، وتجد ساعة مشمسة حتى في أسوأ أيامه، وتبصر منافسة بين مطراته المفاجئة وزلازله وزوابعه، ولكن الهواء يسترد صفاءه والأفق روقه بسرعة متساوية. ويمكننا أن نكتشف هذه الحقيقة في نقاء الخطوط التي تزين آنية الأغارقة أو في مرح أوميرس وهوراس، وتركم بقاع لا يجاوز أعلى جبالها، كإتنة والألنب وسيرا نيفادا، ثلاثة آلاف متر ثلجا قليلا ولا تدخره أبدا، ويبدو سطح البحر أحر من الهواء الذي يلاعبه في جميع السنة تقريبا، فأين تجد مثل هذا الانسجام؟ ودوائر الانقلاب وحدها هي التي يمكن أن تعرض بقعة أخرى لا تحجب السحب سماءها إلا نحو أربعة وأربعين يوما في كل عام.
ويقدس الفلاح لذلك الإقليم، ولو أعوزه المطر أحيانا، ويستقبل الملاح نور النجوم ليلا، والشتاء موجود مع ذلك، وكانت «سماء إيطالية الزرقاء الخالدة»، التي تكلم أجدادنا عنها، تبدو زرقاء أيضا لعدم زرقتها في كل حين، ويوجد حتى الثلج، ولكنه لا يخشى كما أن البرد لا يخشى، ويظهر البحر المتوسط اتزانه الروحي فلا يخاف الضدين، ويحاول البحر المتوسط ببصره ألا يباغت مع ذلك، فهو يبقى في الظل عند اشتداد الحر وهو يمضي بمعطفه وقت المساء!
إذن، كيف يمكن فلاحا من الشمال، يقضي قسما مهما من حياته بجوار محترفه أو مراحه
29
Bog aan la aqoon