139

Badda Dhexe

البحر المتوسط: مصاير بحر

Noocyada

18

ذاهبين إلى الإبير قياما بمغامرات، وهم كانواأوصى الملك الجرماني كونراد الثاني لنفسه بتاج في مايانس سنة 1000، وكان التاج مؤلفا من ثلاثة أجزاء، وكانت قوس الوسط، وهي أكبر الأجزاء، تدعم صليبا مربعا تقريبا، ولم تكن اللآلئ العظيمة والحجارة الثمينة التي رصع بها التاج موزعة توزيعا منتظما تماما، وقد زخرف الصليب الذي يعلو التاج علوا خفيفا بمثل ذلك الطراز، وقد انتقل هذا التاج في قرون من أيدي الملوك إلى أيدي البابوات ثم آل إلى الملوك ما كانت ضخامة الحجارة وثمنها يجعلان التاج أكثر قيمة من الصليب، وما بين الإمبراطور والبابا من صراع ملأ جميع القرون الوسطى رمز إليه بتلك النسب، ولم يقبلهما صائغ مايانس عن مبادرة منه لا ريب.

وقد تخلل تاريخ جميع الأجيال وجميع البلدان ما تم بين الملوك والكهان من محالفات وما وقع بينهما من مصادمات مناوبة، وقد اتخذت هذه الصلات شكلا معقدا ببلاد البحر المتوسط في القرون الوسطى. وكانت السلطة الزمنية مقسومة منكرة مع بقاء الدين قوة وحيدة ظلت الكنيسة الرومانية بها أهم المذهبين النصرانيين، وكان البابا يقيم برومة، وكان الأباطرة يقيمون بألمانية وببلاد الفرنج منذ أواخر الإمبراطورية الرومانية. وكان هذا التباعد الجغرافي بين ممثلي السلطة الزمنية والسلطة الروحية يحمل على التفكير في غول ذي رأسين يلبس أحدهما برطلا

36

ويلبس الآخر تاجا، وكان لابس البرطل يضع التاج على رأس الإمبراطور أو يرفض ذلك على حين كان الإمبراطور لا يمنح البابا أي رمز. وكان الوهم القائل إن الرب هو مصدر التاج وإن البابا هو وكيل الرب من اختراع القساوسة، ويلوح أن أمر الملوك كان يتوقف على القساوسة أكثر من توقف أمر هؤلاء على الملوك.

وكان الجرمان يختارون ملوكهم من بين رؤساء القبائل المقاتلة، وهكذا أمكن الفرنج والسكسون واللوران وكل قبيلة أخرى أن يكونوا على رأس الآخرين، وكان الرجل الذي يمنحه البابا برومة بركته معطيا إياه اللقب والتاج يمثل قوما من عرق آخر. وقد مارست الكنيسة الكاثوليكية، كسلطة روحانية دولية، نفوذا قسم أوروبة بقاطع عمودي، ويقطع هذا القاطع الخطوط الأفقية وحدود الخريطة كدرجات الطول والعرض المتقاطعة.

وصرت لا تجد هواتف يفسرها الكهان تفسيرا منزها عن الخطأ، كما ظل الأمر في طيبة ودلف زمنا طويلا، وكان صاحب الحكمة الربانية، البابا، يظهر على خلاف دائم مع الملوك، ومع الأمم أيضا، حين محافظته على مصالحه، وقد أدى الكفاح في سبيل السلطة الزمنية إلى خسران الكنيسة ملايين من المؤمنين في القرون الوسطى. والواقع أن من نتائج الشك والنقد زوال كل إيمان بالعصمة، والواقع أن ادعاء البابوات بالسلطة الزمنية أدى إلى نقص سلطانهم على النفوس فيما بين سنة 500 وسنة 1870، حتى إنه كان من شأن دويلة الفاتيكان التي يقبضون على زمامها منذ سنة 1929 أن تضعف سلطانهم الروحي.

ولا تمكن دراسة تنازع الأباطرة والبابوات، الذي كدر بلاد البحر المتوسط خمسة قرون، بالتفصيل هنا؛ ولذا نبحث في أسسه الفلسفية، وذلك لقيام تراث الإمبراطورية الرومانية عليها، ولم تزل الإمبراطورية الرومانية بغزو البرابرة ما كانت دولة وهمية في ذلك الحين.

وكانت النصرانية قد تسربت في الجرمان على وجه خاص، ولما جمع ملك الفرنج، كلوفيس، الجرمان والرومان على أرض فرنسة حوالي سنة 500 وتعمد مع ثلاثة آلاف فرنجي بين شغب عنيف كان قد حسب النتائج بعناية، وكان هذا الرجل، الذي هو من البرابرة، يعرف أن غريزة رعاياه الجرمان الابتدائية تحبب الحرب إليهم، وأنهم عطاش إلى الدم والانتقام، وكيف استطاع إذن أن يفرض بين عشية وضحاها على هؤلاء القوم الوحوش، الجاهلين ما عند أمم البحر المتوسط من تقاليد حكمة وفن جهلا تاما، عبادة إله يطلب من المؤمن أن يقوي الروح، لا البدن، وأن يمارس العدل بدلا من الحرب والاتضاع بدلا من الزهو؟

وهل كان ذلك الملك عالما نفسيا أو أن المستقبل وحده هو الذي زكاه مصادفة؟ إن التضاد التام وحده هو الذي كان يمكنه أن يباغت تلك القبائل التابعة لهواها وأن يفوز بها.

Bog aan la aqoon