Badda Madmadow
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Tifaftire
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Daabacaha
الدكتور حسن عباس زكي
Daabacaad
١٤١٩ هـ
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
Fasiraadda
وإن شئت قلت: قد نرى فكرتك أيها العارف في سماء المعاني، غائبًا في شهود الأواني، فلنولينك قبلة ترضاها، وتتلذذ بشهود جمالها وسناها، وهي الحضرة المطهرة التي هي صلاة القلوب، فولّ وجهك ووجهتك إلى تلك الحضرة، وحيثما كنت فولّ وجهك شطره، ودم على صلاة الفكرة والنظرة، فهي صلاة العارفين، ومنتهى امل القاصدين، وبالله التوفيق.
ولمّا تحوّلت القبلة إلى الكعبة غضبت اليهود، حيث ترك قبلتهم، مكابرة وعنادًا، وقالوا: لو بقي على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي المبعوث في آخر الزمان فنتبعه، فردَّ الله عليهم وكذبهم فقال:
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٤٥ الى ١٤٧]
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)
قلت: (ولئن) اللام موطِّئة للقسم، و(إن) شرطية، و(أتيت) فعل الشرط، و(ما تبعوا) جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط. قال في الألفية:
واحذِف لَدَى اجتماع شرطٍ وقسمْ ... جوابَ ما أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
يقول الحق ﷻ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِن أحبار اليهود لَيَعْلَمُونَ أن التحول إلى الكعبة حق مِنْ رَبِّهِمْ لِمَا يجدون في كتابهم أنه يصلي إلى القبلتين، وأن عادته تعالى تخصيص كل أمة بشريعة، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ من التعنت والعناد، وإنما يمهلهم ليوم المعاد، والله لئن أتيتهم بكل حجة وبرهان على صحة التوجه إلى الكعبة ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لأنهم ما تركوا قبلتك لشبهة تُزيلُها الحجة، وإنما خالفوك مكابرة وعنادًا. وقد طمعوا أن ترجع إلى قبلتهم، ولست بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ أبدًا، بل لهم قبلتهم صخرة بيت المقدس، وللنصارى قبلتهم مطلع الشمس، وليس بعضهم بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لتصلب كل حزب بما هو فيه، وإن كان على خطأ وفساد لأن مفارقة العوائد هنا صعب على النفوس إلا مَن سبقت له العناية.
1 / 178