124

Badda Madmadow

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

Tifaftire

أحمد عبد الله القرشي رسلان

Daabacaha

الدكتور حسن عباس زكي

Lambarka Daabacaadda

١٤١٩ هـ

Goobta Daabacaadda

القاهرة

Noocyada

Fasiraadda
ويجليه عنها، وجعلهم الحق نفسا واحدة، وكذلك هو في الحقيقة، وفي ذلك يقول الشاعر:
عُنْصُرُ الأنفاسِ مِنَّا واحِدٌ ... وكّذا الأجْسَامُ جِسْمٌ عَمَّنَا
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بهذا العهد والتزمتموه لأنفسكم وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ على أنفسكم بذلك، ثُمَّ أَنْتُمْ يا هؤُلاءِ اليهود تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ أي: يقتل بعضكم بعضًا، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ إجلاءً عنها، تتغالبون عَلَيْهِمْ بالظلم والطغيان، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ مأسورين تفدوهم بمالكم، وذلك الإخراج محرم عليكم.
وحاصل الآية: أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل العهد في التوراة ألا يقتل بعضهم بعضًا، ولا يخرج بعضهم بعضًا من ديارهم، وأيّما عبدٍ أو أمَةٍ وجدتموه من بني إسرائيل أسيرًا فاشتروه بما كان من ثمنه واعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في الحرب فيُعين بنو قريظة حلفاءهم الأوس، فيقاتلون بني النضير في قتالهم مع الخزرج، فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها، فإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، فعيرتهم العرب، فقالوا: تقاتلونهم وتفدونهم؟! فيقولون: قد أمرنا أن نفديهم وحُرم علينا قتالهم، قالوا: فلم تقاتلونهم؟ فقالوا: إنا نسْتحي أن يُذَل حلفاؤنا، فوبخهم الله على ذلك، فقال:
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وهو الفداء وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ وهو القتل والإخراج؟ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ أي: ذل وهوان فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وهو السبي والقتل لبني قريظة، والجلاء والإخراج من الوطن لبني النضير، أو الذل والجزية للفريقين إلى يوم القيامة، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ. وليس ما أصابهم تكفيرًا لذنوبهم، بل نقمة وغضبًا عليهم، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
الإشارة: الناس على قسمين: قوم ضعفاء تمسكوا بظاهر الشريعة ولم ينفذوا إلى باطنها، ولم يقدروا على قتل نفوسهم، ولا على الخروج من وطن عوائدهم، فيقول لهم الحق ﷻ: لا تسفكون دماءكم في محبتي لأنكم لا تقدرون على ذلك، ولا تخرجون أنفسكم من دياركم في سياحة قلوبكم، فقد أقررتم بعجزكم وضعفكم، ويقول للأقوياء: ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم في طلب معرفتي، وتخرجون فريقًا منكم من ديار عوائدهم في طلب مرضاتي، تتعاونون على نفوسكم بالقهر والغلبة، وكذلك ورد في بعض الأخبار: (أول ما يقول الله للعبد: اطلب العافية والجنة والأعمال وغير ذلك، فإن قال: لا، ما أريد إلا أنت، قال له: من دخل في هذا معي فإنما يدخل بإسقاط الحظوظ، ورفع الحدث، وإثبات القدم، وذلك يوجب العدم) وأنشدوا:

1 / 129