Badda Culum
بحر العلوم
يبعث، ثم كفروا به بعد ما بعث، ثم ازدادوا كفرًا يعني ثبتوا على كفرهم. وقال في رواية الكلبي: آمنوا بموسى ﵇ ثم كفروا به بعده، ثم آمنوا بعزير، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفرا يعني بمحمد ﷺ. وقال في رواية الضحاك: نزلت في شأن أبي عامر الراهب، وهو الذي بنى مسجد الضرار، آمن بالنبي ﷺ ثم كفر، ثم آمن ثم كفر ومات على كفره. وقال الزجاج: يجوز أن يكون محاربًا آمن ثم كفر، ثم آمن ثم كفر، ويجوز أن يكون منافقًا أظهر الإيمان وأبطن الكفر، ثم آمن ثم كفر، ثم ازداد كفرًا بإقامته على النفاق. فإن قيل: إن الله تعالى لا يغفر كفرًا مرة واحدة فأيش الفائدة في قوله آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا؟ قيل له: لأن الكافر إذا أسلم فقد غفر له ما قد سلف من ذنبه، فإذا كفر بعد إيمانه لم يغفر الله له الكفر الأول، فهو مطالب بجميع ما فعل في كفره الأول، فذلك قوله ﷿: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ يعني إذا ماتوا على كفرهم وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا أي يوفقهم طريقًا.
ثم قال تعالى:
[سورة النساء (٤): الآيات ١٣٨ الى ١٤٠]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ وذلك أنه لما نزل قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢] فقال المؤمنون هذا لك فما لنا؟ فنزل قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب: ٤٧] فقال المنافقون: فما لنا؟ فنزل قوله تعالى بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا في الآخرة. ثم نعت المنافقين فقال: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ يعني اليهود أَوْلِياءَ في العون والنصرة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ثم عيّرهم بذلك فقال أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يعني يطلبون عندهم المنعة والظفر على محمد ﷺ وأصحابه، العزة في اللغة المنفعة والغلبة كما يقال: من عزَّ بزَّ، أي من غلب سلب. ويقال: عز الشيء إذا اشتد وجوده، ثم ذكر أنه لا نصرة لهم من الكفار، والنصرة من الله تعالى، فقال: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا يعني الظفر والنصر كله من الله تعالى، وهذا كما قال في آية أخرى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: ٨] .
1 / 348