Badda Culum
بحر العلوم
رسول الله ﷺ، فنزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، أي يوفق من يشاء لدينه. فإن قيل قد قال في آية أخرى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: ٥٢] وقال هاهنا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي يوفق.
قيل ما يشاء إنما أراد به هناك الدعوة. وهاهنا أراد به الهدى خاصة، وهو التوفيق إلى الهدى.
ثم قال تعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ يعني ما تنفقوا من مال، فثوابه لأنفسكم إذا تصدقتم على الكفار، أو على المسلمين.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلًا من أهل الذمة، يسأل على أبواب المسلمين فقال: ما أنصفناك أخذنا منك الجزية ما دمت شابا، ثم ضيعناك بعد ما كبرت وضعفت، فأمر بأن يجري عليه قوته من بيت المال.
ثم قال تعالى: وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ يعني لا تنفقوا إلا ابتغاء ثواب الله وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي يوف ثوابه إليكم. وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم وصدقاتكم، فيكون ما الأولى بمعنى الشرط، وما الثانية للجحود وما الثالثة للخير.
ثم بيّن موضع الصدقة فقال تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني النفقة والصدقة للفقراء الذين حبسوا أنفسهم في طاعة الله، وهم أصحاب الصفة كانوا نحوًا من أربعمائة رجل، جعلوا أنفسهم للطاعة، وتركوا الكسب والتجارة. قوله: لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ أي لا يستطيعون الخروج إلى السفر في التجارة. قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ قرأ حمزة وعاصم وابن عامر: يحسبهم بنصب السين في جميع القرآن، وقرأ الباقون: بالكسر وتفسير القراءتين واحد، يعني يظن الجاهل بأمرهم وشأنهم أنهم أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ لأنهم يظهرون أنفسهم للناس باللباس وغيره، كأنهم أغنياء ويتعففون عن المسألة. قوله تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ أي بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافًا يعني إلحاحًا قال ابن عباس ﵁: لا يسألون الناس إلحاحًا ولا غير إلحاح، ويقال: أصله من اللحاف، لأن السائل إذا كان ملحًا، فكأنه يلصق بالمسؤول فيصير كاللحاف يلتصق، وجعل ذلك كناية عنه. ثم قال تعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ يعني عليم بما أنفقتم ويقال هذا على معنى التحريض، فكأنه يقول عليكم بالفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. وقال بعضهم:
هذا على معنى التعجب، فكأنه يقول عجبًا للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله ويقال: إنه رد إلى أول الآية وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا ثم قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ قال مقاتل والكلبي: نزلت هذه الآية في شأن علي بن أبي طالب،
1 / 181