قالوا: خير الكلام ما دلّ على هدىً، أو نهى عن ردّى.
ذكر عند الأحنف بن قيس: الصمت والكلام، فقال قومٌ: الصمت أفضل فقال الأحنف: الكلام أفضل لأن الصمت لا يعدو صاحبه، والكلام ينتفع به من سمعه، ومذاكرة الرّجال تلقيحٌ لعقولها.
وروي عن النبيّ ﷺ أنّه قال: " رحم الله عبدًا تكلّم بخيرٍ فغنم، أو سكت فسلم ". قال سعيد بن جبير: رأيت ابن عبّاس ﵁ في الكعبة آخذًا بلسانه وهو يقول: يا لسان قل خيرًا تغنم، أو اسكت تسلم.
وقالوا السّكوت سلامة، والكلام بالخير غنيمة، ومن غنم أفضل ممن سلم.
قال أعرابيّ: من فضل الّلسان، أن الله ﷿ أنطقه بتوحيده من بين سائر الجوارح.
وقال عبد الملك بن مروان: الصمت نومٌ والنُّطق يقظة.
قال خالد بن صفوان: ما الإنسان لولا اللسان إلاّ صورة ممثَّلة، أو بهيمة مرسلة، أو ضالّةٌ مهملة.
كان يقال: الألسن خدم القرائح.
قال ربيعة الرأي: السّاكت بين النائم والأخرس.
قالو: إنما المرء بأصغريه: لسانه وقلبه.
كان يقال: اللسان ترجمان الفؤاد، واللسان حيّة الفم.
كان يقال: يجد البليغ من ألم السّكوت ما يجد العييُّ من ألم الكلام.
وقالوا: المرء مخبوءٌ تحت لسانه.
وقال حسان بن ثابت:؟ لساني وسيفي صارمان كلاهما ويبلغ ما لا يبلغ السّيف مذودي وقال جرير:
وليس لسيفي في العظام بقيَّةٌ ... ولا السّيف أشوى وقعةً من لسانيا
وقال الخليل بن أحمد:
أيّ شيءٍ من اللّباس على ذي السّرو ... أبهى من اللّسان البهيّ
قال ابن سيرين: لا شيء أزين على الرجل من الفصاحة والبيان، ولا شيء أزين على المرأة من الشحم.
قال الشاعر:؟ وكائن ترى من ساكتٍ لك معجبٍ زيادته أو نقصه في التّكّلم
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللّحم والدّم
قال أبو العتاهية:
وللناس خوضٌ في الكلام وألسنٌ ... وأقربها من كلّ خيرٍ صدوقها
وروى ابن عمر قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله ﷺ: " إن من البيان لسحرا ". فتأولت طائفة هذا على الذم لأن السحر مذموم، وذهب الأكثر من أهل العلم، وجماعة من أهل الأدب إلى أنه على المدح لأن الله تعالى مدح البيان وأضافه إلى القرآن، وقد أوضحنا هذا في كتاب التمهيد والحمد لله.
وقد قال عمر بن عبد العزيز، ﵀، لرجل سأله حاجة فأحسن المسألة، فأعجبه قوله وقال: هذا - والله - السحر الحلال.
وقال عليّ بن العبّاس الرومي:
وحديثها السِّحر الحلال لو أنَّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرِّز
في أبيات قد ذكرتها في موضعها من هذا الكتاب.
وقال الحسن: الرجال ثلاثةٌ، رجل بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله.
وكان يقال: في اللسان عشر خصال: أداةٌ يظهرها البيان، وشاهدٌ يخبر عن الضمير، وحاكمٌ يفصل به القضاء، وناطقٌ يردّ به الجواب، وشافعٌ تقضى به الحاجات، وواصفٌ تعرف به الأشياء، وواعظٌ ينهى به عن القبيح، ومعزٍّ تسكن به الأحزان، وملاطفٌ تذهب به الضغينة ومونقٌ يلهى الأسماع.
ونظر معاوية إلى ابن عبّاس ﵄، فأتبعه بصره ثم قال متمثلا:
إذا قال لم يترك مقالًا لقائلٍ ... مصيبٍ ولم يثن اللسان على هجر
يصرّف بالقول اللّسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصّقر
ولحسان بن ثابت في ابن عبّاس:
إذا قال لم يترك مقالًا لقائلٍ ... بمنطلقاتٍ لا ترى بينها فصلا
شفى وكفى ما في النّفوس فلم يدع ... لذي إربةٍ في القول جدًّا ولا هزلا
في أبيات قد ذكرتها في باب ابن عباس من كتاب " الصحابة ".
كان يقال: الجمال في اللسان.
قيل للأعرابي: ما الجمال؟ قال: طول الجسم، وضخم الهامة، ورحب الشّدق، وبعد الصّوت. قال حبيب: " لسان المرء من خدم الفؤاد " وقال آخر: " والقول ينفذ ما لا ينفذ الإبر " قال امرؤ القيس: " وجرح اللّسان كجرح اليد " قال ابن أبي حازم:
أوجع من وقعة السّنان ... لذي الحجا وخزة اللّسان
باب ذمّ العيّ وحشو الكلام
قال أبو هريرة: لا خير في فضول الكلام.
وقال عطاء: كانوا يكرهون فضول الكلام.
1 / 6