ياعائب الفقر ألا تزدجر ... عيب الغنى أكثر لو تعتبر
من شرف الفقر ومن فضله ... على الغنى إن صحَّ منك النَّظر
أنَّك تعصي كي تنال الغنى ... ولست تعصي الله كي تفتقر
وفي رواية أخرى:
أنَّك تعصي الله ترجو الغنى ... ولست تعصي الله كي تفتقر
وقال آخر:
ولا تعدني الفقر ياأمّ مالكٍ ... فإنَّ الغنى للمنفقين قريب
وهذا مأخوذ والله أعلم من حديث الرسول ﷺ: " يقول الله ياابن آدم أنفق أنفق عليك ".
وقال بعض الحكماء في ذم الغنى: طالب الغنى طويل العناء، دائم النَّصب، كثير التعب، قليل منه حظُّه، خسيس منه نصيبه، شديد من الأيام حذره، ثم هو بين سلطان يرعاه، ويفغر عليه فاه، وبين حقوق تجب عليه، يضعف عن منعها، وبين أكفاء وأعداء ينالونه ويحسدونه ويبغون عليه، وأولاد يمُّلونه ويودون موته، ونوائب تعتريه وتحزنه.
وقال بشر بن المعتمر المتكلم:
وإذاالجهول رأيته مستغنيًا ... أعيا الطَّبيب وحيلة المحتال
وقال الخليل بن أحمد:
ماأسمج النُّسك بسأل ... وأقبح البخل بذي المال
من كان محتاجًا إلى أهله ... هان على ابن العمِّ والخال
ماوقع الإنسان في ورطةٍ ... أزرى به من رقَّة الحال
قيل لبعض الحكماء: مابالنا نجد من يطلب المال من العلماء أكثر ممن يطلب العلم من ذوي الأموال؟ قال: لمعرفة العلماء بمنافع المال، وجهل ذوي الأموال بمنافع العلم.
قال الشاعر:
ألم تر أنَّ الفقر يزرى بأهله ... وإنَّ الغنى فيه العلا والتَّجمُّل
قال أحيحة بن الجلاح:
استغن عن كلِّ ذي قربى وذي رحمٍ ... إنَّ الغنىَّ من استغنى عن النَّاس
والبس عدوَّك في رفقٍ وفي دعةٍ ... لباس ذي إربة للدَّهر لبَّاس
باب الدَّين
قال رجل لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله مقبلا غير مدبر، أيكفّر الله عنّي خطاياي؟ قال: " نعم. إلاّالدَّين، بذلك أخبرني جبريل ".
وعنه ﵇ أنه قال: " صاحب الدَّين محبوسٌ عن الجنة بدينه ".
وقال ﵇ " بعد أن فتح الله عليه وأفاء الله على المسلمين " -: " من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا فعليّ ".
كان يقال: لا همّ إلاّهمّ الدَّين، ولا وجع إلاّوجع العين. وقد روى هذا القول عن النبي ﷺ من وجه ضعيف.
قال عمر بن الخطاب: إياكم والدَّين، فإنّ أوله همٌّ وآخره حرب.
قال جعفر بن محمد: المستدين تاجر الله في الأرض.
قال عمر بن عبد العزيز: الدَّين وقرٌ طالما حمله الكرام.
قال عمرو بن العاص: من كثر صديقه كثر دينه.
قيل لمحمد بن المنكدر: أتحجُّ وعليك الدين؟ قال: الحج أقضى للدين. يريد الدعاء فيه والله أعلم.
كان يقال: الدَّين رقّ، فلينظر أحدكم أين يضع رقّه.
كان يقال: الأذلة أربعة: النَّمَّام، والكذّاب، والفقير، والمديان.
كان يقال: حرّيّة المسلم كرامته، وذلُّه دينه، وعذابه سوء خلقه.
كان الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر يعامل الناس بالعينة، فإذا حلت دراهمه ركب حمارًا يقال له شارب الريح، فيقف على غرمائه فيقول:
بنو عمِّنا أدُّوا الدَّراهم إنَّما ... يفرِّق بين النَّاس حبُّ الدَّراهم
وقال آخر:
فما شأن ديني إذ يحلُّ عليكم ... أرى النَّاس يقضون الدُّيون ولا يقضى
لقد كان ذاك الدَّين نقدًا وبعضه ... لمرضٍ فما أدَّيت نقدًا ولا عرضا
ولكنَّما هذا الَّذي كان منكم ... أمانيّ ما لاقت سماءً ولا أرضا
فلو كنت تنوين القضاء لديننا ... لأنسأت لي بعضًا وعجَّلت لي بعضا
قال أبو عثمان المازني: سمعت معاذ بن معاذ، وبشر بن المفضل ينشدان هذين البيتين لمجنون عامر:
طمعت بليلى أن تريع وإنَّما ... تقطِّع أعناق الرِّجال المطامع
وداينت ليلى في خلاءٍ ولم يكن ... شهودٌ على ليلى عدولٌ مقانع
وقال آخر أنشده ابن الزبير:
ألا ليت النَّهار يعود ليلًا ... فإنَّ الصُّبح يأتي بالهموم
1 / 43