وقال ﵇ لعبد الله بن مسعود: " لا تكثر همَّك يا عبد الله، ما يقدَّر يكن، وما ترزق يأتك ".
قال الشاعر:
فإنَّك ما يقدر لك الله تلقه ... كفاحًا وتجلبه عليك الجوالب
وقال رسول الله ﷺ: " إن روح القدس نفث في روعي، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ".
أنشد ابن أبي الدنيا:
ومن ظنّ أنَّ الرِّزق يأتي بحيلةٍ ... فقد كذَّبته نفسه وهو آثم
يفوت الغنى من لا ينام عن السُّرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم
فما الفقر في ضعف احتيالٍ ولا الغنى ... بكدٍّ وللأرزاق في النَّاس قاسم
سأصبر إن دهرٌ أناخ بكلكلٍ ... وأرضى بحكم الله ما الله حاكم
لقد عشت في ضيقٍ من الدَّهر مدَّةً ... وفي سعةٍ والعرض منِّي سالم
وقال جعفر بن محمَّد: إني لأملق فأتاجر الله بالصدقة فأربح.
وقال عروة بن الزبير: العاقل من إذا رزق ما لا نظر فيه، فإنه لا يدري لعله يكون آخر رزقه.
ومما يروي لعليّ بن أبي طالب ﵁، وفيه نظر:
لو كان صخرةٍ في البحر راسيةٍ ... صمَّاء ملمومةٍ ملسٍ نواحيها
رزقٌ لعبدٍ يراه الله لانفلقت ... حتَّى يؤدَّي إليه كلُّ ما فيها
أو كان تحت طباق السَّبع مطلبها ... لسهَّل الله في المرقى مراقيها
حتَّى تؤدَّي الَّذي في الَّلوح خطّ له ... إن هي أتته وإلاَّ سوف يأتيها
وأنشد ابن الأعرابي:
الحمد لله ليس الرِّزق بالطَّلب ... ولا العطايا لذي عقلٍ ولا أدب
إن قدّر الله شيئًا أنت طالبه ... يومًا وجدت إليه أقرب السبب
وإن أبى الله ما تهوى فلا طلبٌ ... يجدي عليك ولو حاولت من كثب
وقد أقول لنفسي وهي ضيِّقةٌ ... وقد أناخ عليها الدَّهر بالعجب
صبرًا على ضيقة الأيَّام إنّ لها ... فتحًا وما الصَّبر إلاّ عند ذي الأدب
سيفتح الله أبواب العطاء بما ... فيه لنفسك راحاتٌ من التّعب
ولو يكون كلامي حين أنشره ... من الُّلجين لكان الصَّمت من ذهب
وقيل لعليّ بن أبي طالب ﵁: كيف يحاسب الله العباد على كثرتهم؟ قال: كما قسَّم بينهم أرزاقهم.
ولسريج بن يونس المحدث:
يا طالب الرِّزق في الآفاق مجتهدًا ... أتعبت نفسك حتَّى شفَّك التَّعب
تسعى لرزق كفاك الله مؤنته ... أقصر فرزقك لا يأتي به الطَّلب
كم من سخيفٍ ضعيف العقل نعرفه ... له الولاية والأرزاق والذَّهب
ومن حصيفٍ له عقلٌ ومعرفةٌ ... بادي الخصاصة لم يعرف له نشب
فاسترزق الله مما في خزائنه ... فالله يرزق لا عقلٌ ولا حسب
وقال آخر:
كم من قويٍّ قويٍ في تقلُّبه ... مهذّب الرأي عنه الرِّزق منحرف
وكم ضعيفٍ ضعيف الرأي تبصره ... كأنه من خليج البحر يغترف
أنشد أبو حاتم عن الأصمعي:
يا أيُّها المضمر همًَّا لا تهمّ ... إنك إن تقدر لك الحمَّى تحم
ولو علوت شاهقًا من العلم ... كيف توقّيك وقد جفّ القلم
قالوا: المقادير تبطل التقدير، وتنقض التدبير.
قال الشاعر:
إذا عقد القضاء عليك عقدًا ... فليس يحلُّه إلا القضاء
وقال ابن المعتز:
يا مكلَّ العيس في ديمومةٍ ... يتبع الآمال كالباغي المضلّ
إنَّ مفتاح الذي تطلبه ... بيد المقدار فاصبر واتكل
فرغ الله من الرزق ومن ... مدَّة العمر ومن وقت الأجل
وقال أبو العتاهية:
وفدت إلى الله في وفده ... لألتمس الرِّزق من عنده
إذا ما قضى الله أمرًا مضى ... ولم يقو حيٌّ على ردِّه
قال المفضَّل الضَّبِّي: قيل لأعرابيّ من أين معاشكم؟ قال: من أزواد الحاجّ. قلت: فإذا صدروا فبكى، ثم قال: لو كنا نعيش من حيث نعلم لم نعش. ثم قال: أتفهم؟ قلت: نعم، فقال:
1 / 25