200

على أن القائلين بأن الوزن حسي اختلفوا في حقيقة الموزون فمنهم من قال إن الأعمال تتجسد ومنهم من قال توزن الصحف ومنهم من قال يوزن الإنسان، وكل ذلك لا يثبت بدليل قاطع والكل يعلم أن الصحابي ابن مسعود - رضي الله عنه - عندما كان بعضهم يسخر من دقة ساقيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : »والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد« كما في "حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/175) ورواه كذلك الحاكم في "المستدرك" برقم [5385] وصححه هو والذهبي في تلخيصه. وغيرهم ولا يتسنى للقائلين بأن الموزون هي الصحف وهم الأكثرية التوفيق بين تلك الروايات فلا مناص من حمل الروايات الواردة في هذا الباب على أن الوزن بيان صحة العمل وكشف صلاحيته من فساده وكم من مرائي في الدنيا تجعل أعماله هباءا منثورا وإنما يتقبل الله من المتقين، فلا دخل للصحف ولا للأجسام، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/659):

"وقد ذهب بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء". ا.ه وبالله التوفيق._)؛ ووجه ذلك أن أعمال العباد أعراض ووزن الأعراض محال، ولذا تردد الخصم في حقيقة الموزون حتى زعم بعضهم أن الموزون هم الأشخاص، وبعضهم أن الله يخلق في احدى الكفتين ظلمة وفي الأخرى نورا، وبعضهم أن الأعمال تتجسد فتوزن الأجساد والكل باطل فوجب المصير الى التأويل. والمراد بقوله: (في الحسبان) يوم القيامة لأنها محل الحساب، والمراد بقوله: (لا مثل قول ذي الخلاف) أي لا أقول مثل قول صاحب الخلاف، وقوله: (كفة وأعمدا) عبر بالكفة وهي مفرد عن مثنى(_( ) وهما الكفتان. _) وعبر بأعمد وهو جمع عن مفرد(_( ) وهو العمود. _) على سبيل المجاز وله محل في البلاغة، فمثال الأول قوله:

Bogga 233