ولتعلمن نبأه بعد حين ، ونعود إلى قوله تعالى وهو أصدق القائلين:
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين . وقول الحكماء: «إن الباغي له مصرع»، وبغيك يصرعك، وإلى البلاء يسلمك. والسلام.
فالبهاء زهير كان في خدمة الملك الصالح في أواخر صفر من سنة 647، وتوفي الملك الصالح في أواسط شعبان من تلك السنة بعد أشهر قضاها في مرض مستمر، وفي جهاد لم يكن كله مظفرا.
بعد هذا الفرض الذي أدى بنا إلى ترجيح أن البهاء زهيرا ظل متصلا بالملك الصالح إلى أن مات الملك الصالح، وجدنا في كتاب تاريخ العيني
3 - الموجود في دار الكتب المصرية بالفتوغرافيا ج19 - ما يدل صريحا على أن الملك الصالح صرف البهاء زهيرا من خدمته قبل موته بقليل، فرأينا أن ننقل هذا النص عن نسخة دار الكتب المصرية:
قلت: وذكر القطب اليونيني في كتابه الذيل على مرآة الزمان، قال في ترجمة البهاء زهير كاتب الملك الصالح، قال: فلما خرج الملك الصالح بالكرك من الاعتقال، وسار إلى الديار المصرية، كان بهاء الدين زهير المذكور في صحبته، فأقام عنده في أعلى منزلة وأجل مرتبة، هو المشار إليه في كتاب الدرج والمتقدم عليهم، وأكثرهم اختصاصا بالملك الصالح واجتماعا به، وسيره رسولا في سنة خمس وأربعين وستمائة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب، يطلب منه إيفاد الملك الصالح عماد الدين إسماعيل إليه، فلم يجب إلى ذلك، وأنكر الناصر هذه الرسالة غاية الإنكار وأعظمها واستصعبها، وقال: كيف يسعني أن أسير عمه إليه وهو خال أبي وكبير البيت الأيوبي حتى يقتله وقد استجار بي؟! وأشهد أنني لا أفعلها أبدا. ورجع البهاء زهير إلى الملك الصالح نجم الدين هذا بهذا الجواب، فعظم عليه وسكت على ما في نفسه من الحنق.
وقبل موت الملك الصالح نجم الدين أيوب بمديدة يسيرة وهو نازل على المنصورة، تغير على بهاء الدين زهير، وأبعده لأمر لم يطلع عليه أحد. قال: حكى لي البهاء زهير أن سبب تغيره عليه: أنه كتب عن الملك الصالح كتابا إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك، وأدخل الكتاب إلى الملك الصالح ليعلم عليه على العادة؛ فلما وقف عليه الملك الصالح كتب بخطه بين الأسطر: «أنت تعرف قلة عقل ابن عمي، وأنه يحب من يصله ويعطيه من يده، فاكتب له غير هذا الكتاب ما يعجبه»، وسير الكتاب إلى البهاء زهير ليغيره والبهاء زهير مشغول، فأعطاه لفخر الدين إبراهيم بن لقمان، فأمره بختمه فختمه وجهزه إلى الناصر على يد نجاب ولم يتأمله، فسافر به النجاب لوقته، واستبطأ الملك الصالح عود الكتاب إليه ليعلم عليه، ثم سأل عنه بهاء الدين زهيرا بعد ذلك وقال له: ما وقفت على ما كتبته بخطي بين الأسطر؟ قال البهاء: ومن يجسر أن يقف على ما كتبه السلطان بخطه إلى ابن عمه؟! وأخبره أنه سير الكتاب مع النجاب؛ فقامت قيامة السلطان، وسيروا في طلب النجاب فلم يدركوه، ووصل الكتاب إلى الملك الناصر بالكرك، فعظم عليه وتألم له.
ثم كتب جوابه إلى الملك الصالح وهو يعتب عليه فيه العتب المؤلم ويقول له فيه: «والله ما بي ما يصدر منك في حقي، وإنما بي اطلاع كتابك على مثل هذا.» فعز ذلك على الملك الصالح وغضب على بهاء الدين زهير، وبهاء الدين لكثرة مروءته ينسب ذلك إلى نفسه، ولم ينسبه لكاتب الكتاب وهو فخر الدين بن لقمان - رحمه الله تعالى.
قال: وكان الملك الصالح كثير التخيل والغضب والمؤاخذة على الذنب الصغير، والمعاقبة على الوهم، لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة.
ويلاحظ أن ديوان البهاء زهير خلو من رثاء الملك الصالح وخلو من مدائحه إلا قليلا.
Bog aan la aqoon