السقيمة، والكتاب حافل بشتى النصوص التي جمعها ابن المعتز وساقها في عرض جميل ونظام محكم.
وكان الباعث لابن المعتز على تأليف هذا الكتاب أن يعلم كما يقول: "بشارًا ومسلمًا وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن -البديع- ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمى بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، ثم إن حبيب بن أوس الطائي شغف به حتى غلب عليه وأكثر منه فأحسن في بعض وأساء في البعض الآخر، وإنما كان يقول الشاعر من ذلك الفنّ البيت والبيتين في القصيدة وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع"١، فالغرض الأول منه "تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع"٢.
لقد نشأ ابن المعتز في عصر لم يخلُ من آثار التعصب للتراث الأدبي القديم، ومن المنكرين لمذاهب المحدثين في البيان والناعين عليهم ما افتنوا فيه من ألوان البديع التي أكثر منها بشار ومدرسته ثم مسلم وأبو تمام ومن جاء بعدهما، فكان لا بُدَّ لابن المعتز أن يدافع ويناضل هؤلاء المتعصبين.
نعم، لقد وقف ابن المعتز بين مذهبين في البيان متناقضين: مذهب المحدثين الذي يؤثره ويسير عليه في الشعر وفهمه ونظمه، ومذهب القدماء المتعصبين للقديم الذين كانوا يزدرون نهج المحدثين وقصدهم وتكلفهم للبديع؛ ولكنه انتصر بفطرته وذوقه للمذهب الأول الذي أحبه وشغف به، فأخذ يدافع عنه، وألف في ذلك كتابه البديع الذي أثبت فيه أن ألوان البديع كانت معروفة عند الشعراء القدامى والإسلاميين وألموا بها في شعرهم كما ألم بها المحدثون، فهي ليست غريبة على الشعر الجاهلي والإسلامي، وليست جديدة على أساليب البيان في شعر المحدثين، وليست بدعًا جديدًا في
_________
١ ١٥، ١٦ البديع، ٧، ٨ الموازنة.
٢ ١٨ البديع.
1 / 21